نون والقلم

د. وحيد عبد المجيد يكتب: نزاعات مسلحة أم حروب؟

ينتظر المهتمون بالتطورات الاستراتيجية في العالم الكتاب السنوي حول التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي الذي يصدر كل عام عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي «‏Sipri»، مثلما يتطلعون إلى صدور تقرير التوازن العسكري الذي يصدر سنوياً كذلك عن المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية في لندن «IISS». ويقدم العملان الكبيران، حجماً وقيمة، كل وفق منهجه وأدواته، معرفةً لا غنى عنها للباحثين والخبراء في الشؤون الاستراتيجية، كما للسياسيين والعسكريين المعنيين بها.

وقد شاركت مؤخراً في ندوة نظمها المعهد السويدي في الإسكندرية ومركز دراسات الوحدة العربية حول كتاب «‏Sipri»، حيث أُثيرت خلال النقاش قضايا مهمة تتعلق بالصراعات في منطقة الشرق الأوسط. وإلى جانب قضايا عدة تثير الاهتمام عادةً في أي نقاش حول هذه الصراعات، أثار التصنيف الذي يعتمده «‏Sipri» جدلاً حول سلامة الاعتماد على معيار واحد في صراعات معقدة ومركبة ومتعددة الجوانب.

فقد اعتمد على معيار عدد القتلى للتمييز بين النزاع المسلح والحرب. وبموجب هذا المعيار، يُقصد بالنزاع المسلح أي صراع عنيف يؤدي إلى قتل أكثر من 25 شخصاً في معارك وعمليات مرتبطة به، بينما يصبح هذا الصراع حرباً عندما يزيد عدد القتلى على ألف شخص، خلال عام واحد.

ورغم أنه يحق للباحث أن يحدد المعيار الذي يراه ملائماً وفق منهجه، يثير الاعتماد على عدد القتلى فقط للتمييز بين النزاع المسلح والحرب أسئلة عن مدى سلامة النتائج التي تترتب عليه في بعض الحالات على الأقل.

ومن هذه الأسئلة مثلاً ما يتعلق بالرقمين المستخدمين في هذا التمييز (25 و1000). فهل يوجد فرق كبير إلى هذا الحد بين صراع يُقتل فيه 900 أو 950، وآخر يروح ضحيته ألف وعشرون مثلاً؟

لكن السؤال الأكثر أهمية يتعلق بطبيعة الصراعات العنيفة في مرحلة انحسرت فيها الحروب المباشرة بين جيوش الدول، حيث تدور الصراعات العنيفة إما بين قوات نظامية وجماعات مسلحة في نزاعات أو حروب داخلية، أو في صراعات تتحول إلى حروب بالوكالة عندما تحصل الجماعة المسلحة المتمردة على دعم من دولة أو أكثر.

ومغزى السؤال فيما يتعلق بمعيار التمييز بين النزاع المسلح والحرب أن عدد القتلى في هذا النوع من الصراعات العنيفة ليس كبيراً، إلا في حالة حدوث قصف جوي عنيف لفترة طويلة كما هي الحال في الحرب السورية.

كما أن النمط السائد في الحروب الراهنة اختلف عن ذي قبل، منذ أن صارت الجماعات الإرهابية هي الأكثر خطراً. وسوريا مثال واضح على ذلك أيضاً. فإلى جانب الصراع بين قوات الحكومة ومجموعات معارضة لها، أصبحت الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها «داعش» و«النصرة»، طرفاً في كثير من معارك الحرب في سوريا. ومن هذه المعارك ما بات مفصولاً عن الصراع الأساسي الذي أشعل الوضع في سوريا عام 2011، مثل معارك المناطق الشمالية بين الأكراد و«داعش»، ثم الحرب بين الأكراد وتركيا التي تعتمد على جماعات سورية معارضة تابعة لها تقاتل بجوار قواتها.

كما أن التطور في وسائل حماية المقاتلين أثناء الاشتباكات المسلحة، مثل شيوع استخدام الخوذ والسترات الواقية من الرصاص وغيرها، يؤدي إلى تقليل عدد القتلى مقابل زيادة عدد المصابين والجرحى. لذلك يمكن أن تبدو معارك شديدة العنف لا تحدث إلا في حالة الحرب وكأنها نزاعات مسلحة لأن عدد القتلى أقل من ألف.

ويمكن أن تكون مشكلة هذا التصنيف أكبر عندما تخلو قائمتا النزاعات المسلحة والحروب من صراعات عنيفة مهمة، لأن عدد القتلى لم يصل إلى 25 خلال عام. وقد حدث ذلك بالفعل عندما تأخر «‏Sipri» في إدراج الصراع بين الأردن و«داعش» في قائمة النزاعات المسلحة إلى عام 2016. ويعني ذلك أن اعتماد معيار واحد أدى إلى إغفال مشاركة الأردن في الحرب على «داعش» منذ تأسيس التحالف الدولي في سبتمبر 2014. فقد شاركت طائرات أردنية في قصف مواقع لهذا التنظيم الإرهابي في سوريا، وتصاعد الصراع عندما أُسقطت إحداها في ديسمبر من العام نفسه وأُسر طيارها «معاذ الكساسبة»، ثم أُحرق في مشهد مأساوي وقف العالم على أصابعه من فرط هوله.

لذلك يتطلب تصنيف الصراعات العنيفة إلى مستويات وفق مدى حدتها، الاعتماد على معايير أخرى، إلى جانب عدد القتلى، مثل مسرح العمليات الذي تحدث فيه المعارك، ونوع الأسلحة المستخدمة فيها، والمدى الزمني الذي تستغرقه.

نقلا عن صحيفة الاتحاد الإماراتية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى