ليست المرة الأولى التي ترعى فيها الأمم المتحدة حواراً بين الحكومة اليمنية ومليشيا الحوثيين وحليفهم حزب المؤتمر الذي يرأسه الرئيس المخلوع علي صالح، منذ بدء عملية “عاصفة الحزم” لإعادة الشرعية في اليمن أواخر مارس/آذار الماضي.
فمن مؤتمر “جنيف” إلى مشاورات “مسقط”، مروراً بصدور القرار الأممي 2216 الذي فرض عقوبات على نجل المخلوع صالح (أحمد)، وزعيم الحوثيين (عبد الملك)، وطالب مليشيات الحوثي وصالح بالانسحاب من المدن التي اجتاحوها وتسليم السلاح الثقيل للدولة، ودعم الشرعية الدستورية ممثلة بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
لكنهما لم يلتزما بأي قرار أممي، وواصلوا جرائمهم بحق المدنيين في المدن لفرض سيطرتهم على كامل اليمن، وظلت العملية السياسية تراوح مكانها وكل فرص الحل تصطدم بتعنتهم.
موافقة مشروطة
مؤخراً أعلنت الحكومة اليمنية موافقتها على المشاركة في مشاورات سلام جديدة، واشترطت اقتصار المشاورات على البحث في تطبيق قرار أممي يقضي بانسحاب الحوثيين وحلفائهم من المناطق التي سيطروا عليها.
من جهته، أشاد مبعوث أمين عام الأمم المتحدة لليمن، إسماعيل ولد الشيخ، بقرار الحكومة اليمنية، لحضور محادثات السلام التي ستعقد في المنطقة، الأسبوع المقبل.
وذكر بيان بثته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، أنه سيتم الإعلان عن مكان انعقاد المحادثات وموعدها خلال الأيام المقبلة، موضحاً أن المحادثات تهدف إلى تحقيق إطار للاتفاق على آليات تنفيذ لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، ووقف إطلاق النار، واستئناف عملية الانتقال السياسي السلمي، وفقاً لمبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية التنفيذ ونتائج مؤتمر الحوار الوطني.
لكن موافقة الحكومة- بحسب البيان الذي صدر عنها (اطلع عليه “الخليج أونلاين”)– اقتصرت على المشاركة في المشاورات للبحث في تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216)، الذي ينص على انسحاب المتمردين الحوثيين وحلفائهم الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح من المدن والأراضي التي سيطروا عليها منذ العام الماضي.
واقترح القيادي في الحراك الجنوبي لطفي شطارة على الرئيس عبد ربه منصور هادي، في تصريح صحفي، قائلاً: “أنصح بثلاثة لتمثيل السلطة في المشاورات التي ستجري الأسبوع المقبل في مسقط، ومنهم الدكتور رياض ياسين عبد الله وزير الخارجية رئيس وفد جنيف، وحيدر أبو بكر العطاس مستشار الرئيس، وأحمد عوض بن مبارك سفير اليمن في واشنطن ودينامو لقاء جنيف، على أن تطلب الحكومة قبل أي لقاء الإفراج الفوري عن وزير الدفاع الصبيحي وفيصل رجب وناصر منصور كبادرة جديتهم هذه المرة”.
وأضاف: “إذا لم يتحقق ذلك فإن لقاءات مسقط لن توقف الحرب وزحف التحالف إلى صنعاء”، على حد تعبيره.
فرص النجاح
يؤكد المحلل السياسي فؤاد مسعد أن فرص نجاح المشاورات المزمع انعقادها في العاصمة العمانية (مسقط) تتوقف على إدراك الحوثيين وحليفهم (صالح) حقيقة أنهم انهزموا ولم يعد هناك مجال للمراوغة، ومن ثم تتوفر لديهم النية للتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن (2216).
وأشار إلى “خطورة الأمر إذا ما كانوا لا يزالون يشعرون أنهم سيستدرجون الحكومة الشرعية وحلفاءها في الداخل والخارج لجولة مفاوضات عبثية تؤخر تحرير (صنعاء) وبقية المحافظات”.
ويضيف مسعد لـ”الخليج أونلاين” بأن “الحكومة الشرعية معنية في هذه المرحلة بترجمة الانتصارات الميدانية المتتالية التي تحققها المقاومة الشعبية والجيش الوطني مسنودين بقوات التحالف العربي، إلى انتصارات سياسية تجبر الحوثي وصالح على الإعلان عن التزامهما بتنفيذ القرار الأممي”.
وأكد “اضطلاع الحكومة أكثر من غيرها في تنفيذ القرار، إما بمواصلة العمليات العسكرية أو بإجبار الطرف الآخر على تنفيذ القرار بدون مماطلة أو تسويف”.
ويشدد مسعد على “عدم الخوض في نقاشات جزئية وجانبية وثانوية من شأنها منح فرصة للحوثيين وصالح لالتقاط أنفاسهم بعدما صاروا قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة النهائية التي تشمل تحرير العاصمة من قبضتهم، وبسط سيطرة الحكومة على كافة المحافظات، بما فيها صعدة، التي تعتبر معقل جماعة الحوثي”.
سوابق فشل
من جهته، يصف الصحفي والكاتب مارب الورد، قرار الحكومة بالمشاركة، بالخطوة السياسية الموفقة، من زاوية امتصاص الضغوط الدولية عليها وعلى التحالف لوقف العمليات العسكرية، خاصة مع تزايد القوات البرية الخليجية في مأرب واليمن عموماً استعداداً لعملية برية واسعة لاستعادة صنعاء وبقية المحافظات.
ويقلل الورد في حديثه لـ”الخليج أونلاين” من أهمية مشاركة الحكومة اليمنية في محادثات مسقط، معتبراً أنها تكتيك سياسي ومخرج مؤقت لضغوط متزايدة، ولن تكون على حساب وقف العمليات العسكرية تجاه المتمردين على شرعيتها.
وتوقع فشل جولة المباحثات مثل سابقاتها لأسباب بسيطة ومنطقية لا علاقة لها بالتشاؤم أو التفاؤل أو العواطف والأمنيات؛ و”إنما من تجارب الفترة الماضية ومواقف الطرف الآخر الذي يرفض حتى اللحظة الاعتراف العلني والصريح بتنفيذ القرار الأممي دون شرط أو قيد، فالحكومة متمسكة بتنفيذ الانقلابيين للقرار دون أي تنازل عن أي بند من بنوده؛ في المقابل ترفض المليشيات ذلك، ولا يتوقع تغيير موقفهم لأنهم لن يقبلوا ببساطة الانسحاب من المحافظات بعد كل ما قدموه من خسائر مهما كانت الضغوطات”.
ويتابع: “ما دام كل طرف بموقفه متصلباً متشدداً دون أي استعداد للتنازل لمنطقة وسط، فلا حل سياسي يلوح في الأفق، ولن تكون هذه الجولة إلا مجرد كلام إعلامي وحضور لالتقاط الصور”.
وعن الموقف في الجانب العسكري يقول الكاتب الورد: “سيستمر، سواء بالغارات الجوية أو باستمرار التعزيزات العسكرية إلى مأرب، ودعم المقاومة لإحراز أي تقدم على الأرض، وربما الشيء الوحيد الذي سيتم تأجيله إلى ما بعد المفاوضات هو بدء عملية الحسم الواسعة”.
وتوقع “استماتة الانقلابيين بكل السبل لتحقيق تقدم في جبهات القتال، خاصة بمدينة تعز التي لطالما زايدوا بسيطرتهم عليها بمحادثات مسقط الماضية، وربما محاولات تسجيل اختراق في مأرب من أجل تعزيز موقفهم التفاوضي في مسقط وهو ما يجب على المقاومة، ومن خلفها الحكومة والتحالف، التنبه له، باستمرار العمليات العسكرية ومواجهة أي محاولات للتقدم بأي مكان”.