نون والقلم

د.البدر الشاطري يكتب: ما هي استراتيجية ترامب الدولية؟

تختلف سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة، باختلاف توجهاتها وقواعدها الانتخابية ومصالحها الوطنية في سياقاتها التاريخية المتعددة. بل إن بعض الرؤساء الأميركيين يتبنون عقائد في سياستهم الخارجية: «عقيدة منرو» الشهيرة، تجاه الحظيرة الجنوبية للولايات المتحدة، أو «عقيدة أيزنهاور» تجاه التهديد الشيوعي لدول الشرق الأوسط. ولكن الاستراتيجية الأميركية الدولية، ظلت على ثبات منذ الحرب العالمية الثانية، والتي توصف من قبل أنصارها بـ «الهيمنة الليبرالية»، تحت قيادة الولايات المتحدة.

أخبار ذات صلة

ومختصر المفهوم، أن الهيمنة نوعان، حميد وخبيث. فالثاني يتمثل في محاولات الدول الكبرى في العصر الاستعماري للسيطرة على الدول الأضعف والاستيلاء على خيراتها، بل وحكمها بشكل مباشر، كما كان الوضع في الحالة الكلونيالية.

أما الهيمنة الحميدة، أو الليبرالية كما يسمونها، فإنها قائمة على الإقناع أكثر من القسر، وتقوم على قواعد منصفة وعادلة. وتبتغي الهيمنة الليبرالية تحرير التجارة وحرية انتقال الرساميل والأشخاص دون إعاقة. وهذه السياسة ستعني تلاحم وتبادل الاعتماد بين الدول، والذي سيشيع الرخاء بين الشعوب، وبالتالي، ستتعاون الدول بدلاً من أن تتقاتل. كما أن هذا النظام، يدعم التوجه الديمقراطي، ويعزز من القيم الليبرالية، ما يعضد السلام والاستقرار بين الدول.

وسيكون دور المهيمن، هو المرتكز الذي يدور عليه النظام السياسي القائم على الهيمنة الليبرالية، والذي يتمتع بقدرات فائقة، سواء كانت اقتصادية أو عسكرية. فدور قائد النظام، بخلاف الإمبراطوريات السابقة، يقوم على توزيع الأعباء بشكل متناسب مع القدرات، ويمنع المتسلقين والذين يتفادون تحمل تكاليف الامتيازات الذي يعطيها النظام بسبب هذه القدرات الفائقة. ولا يخلو الأمر من نوع من القسر لمن يخالف القواعد ويشذ عنها.

بلا شك، هذه النظرة الأميركية لفهم سيطرتها على العالم. قد يرى البعض أن الجانب الليبرالي منها، والتي تستند للقواعد ومؤسسات دولية ضعيفة، بحيث يستطيع المهيمن أن يخرقها بكل حرية. ويشير نقاد منظور الهيمنة الليبرالية إلى عدة أمثلة على ذلك، من فيتنام إلى العراق إلى أميركا اللاتينية.

ويتساءل أحد منظري العلاقات الدولية، باري بوزن، الأستاذ في جامعة إم آي تي، في العدد الأخير من مجلة مؤسسة السياسة الخارجية «فورين أفيرز»، عن استراتيجية ترامب الدولية. ويقول إن ترامب كان ينادي لكبح جماح التدخلات الأميركية في شؤون العالم، والتي لم تجلب إلا المصائب على الولايات المتحدة.

وكانت رؤية ترامب نحو العالم هي «الانعزالية الأميركية»، والتي سادت في ما بين الحربين العظيمتين في القرن المنصرم. كان ترامب يروج إلى سياسة النيء بالنفس عن مشاكل العالم، وأن على واشنطن أن تبني وطنها لا أوطان العالم. وأن عبء حماية أمن العالم من قبل الولايات المتحدة مكلف، دون مردود للولايات المتحدة. ودعا ترامب إلى جعل أميركا عظيمة مرة أخرى. وكانت دعوة أكسبته شعبية عند من عانى شرور العولمة ونتائجها السلبية من الطبقات العاملة البيضاء، والتي شهدت تدني أجورها واختفاء وظائفها.

ولكن واقع سياسات ترامب، كما يراها البروفيسور بوزن، فإنها لا تختلف عن أسلافها. بل إن انخراط الولايات المتحدة بدأت بالتزايد عن خلفه أوباما. فقد صعّدت إدارة ترامب من حدة تنافسها الجيوسياسي مع القوى العظمى. وبعد تردد، صدعت بالتزاماتها نحو حلف الناتو والبند الخامس، والذي يلزم الدول الأعضاء لنجدة أي عضو يتعرض للاعتداء، تحت شعار «الجميع لكل واحد وكل واحد للجميع».

أما في آسيا، فالوضع يشي عن تورط أكبر للولايات المتحدة في تلك القارة، كما يرى بوزن. فقد صعّد الرئيس الأميركي من لهجته ضد كوريا الشمالية. وهدد بأن للولايات المتحدة صبراً وقوة جبارتين، وأنها لن تتردد في الدفاع عن نفسها أو حلفائها، بل وأنها ستدمر كوريا الشمالية، إذا ما اقتضى الأمر. وعززت الإدارة تهديداتها بإقامة مناورات عسكرية وإرسال قاذفات استراتيجية بعيدة المدى، للقيام بطلعات جوية فوق شبه جزيرة كوريا.

ويضيف الباحث أن الوضع في منطقة الباسيفيك، يعج بالنشاطات العسكرية، والتي وصلت إلى 160 تدريباً عسكرياً ثنائياً ومتعدداً بين الولايات المتحدة ودول آسيا. وفي يوليو الماضي، قامت الولايات المتحدة بمناورات مشتركة بينها وبين الهند واليابان، ولأول مرة، تشترك فيها حاملات الطائرات للثلاث الدول معاً. كما أعلن الرئيس ترامب خلال زيارته لليابان، تأكيده على الالتزامات الأمنية تجاه البلد المضيف، وأوضح أن هناك صفراً من الفوارق بين البلدين تجاه كافة القضايا، بما فيها كوريا الشمالية.

ولا يختلف الحال بالنسبة للشرق الأوسط. وقد رفع الرئيس ترامب حدة المواجهة مع التطرف. واجتمع الرئيس ترامب مع قادة دول الخليج والدول الإسلامية للمناقشة في مواجهة التطرف والإرهاب. وشارك في افتتاح مركز مكافحة الأفكار المتطرفة. كما صعّد ترامب من حدة المواجهة مع داعش، والذي تلقت ضربات أدت إلى تقلص المساحة المسيطرة عليها من قبل الدولة.

كما حاول الانغماس في قضية الشرق الأوسط الأولى والعصية على الحل. فقد اتخذ ترامب، مبادرة الاعتراف بالقدس، ظناً منه أن نتنياهو والإسرائيليين سيكونون ممتنين، إلى درجة تدفعهم للانخراط في المسيرة السلمية. وعاد بخفي حنين. والسؤال المهم هنا، إذا ما كان ولوج واشنطن في الشؤون الدولية أكبر من أسلافه، فما الفرق في الاستراتيجية الدولية بالنسبة للإدارة الحالية؟، يجيب باري بوزن، أن ترامب يتبع سياسة هيمنة مثل الإدارات السابقة، ولكن دون قواعد ليبرالية. بمعنى آخر، هيمنة فجة دون قوانين ضابطة أو قيم ليبرالية.

 

نقلا عن صحيفة البيان الإماراتية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى