كانت محطة بيروت الاقصر في زيارة وزير الخارجية الامريكي الاقليمية، حيث لم يمكث فيها أكثر من ست ساعات.
فبعد زيارته الى مصر وتأييده لحربها على الارهاب، ومن ثم زيارته الى عمان وتوقيعه على اتفاقية التعاون للسنوات الخمس القادمة، جاءت بيروت وسيطر عليها الإشكال البرتوكولي الذي أبقى الوزير وحيداً في قاعة القصر الجمهوري في بعبدا لعشر دقائق قبل أن يلتقي بالجنرال ميشيل عون، لينتقل بعدها إلى عين التينة فالسراي الحكومي، متمماً لقاءاته بالرؤساء الثلاثة، وليعيد على مسامعهم المواقف التي سبق لمساعده ديفيد ساترفيلد أن عرضها عليهم.
تيلرسون اختتم زيارته الاقليمية بمحطة انقرة ، وجاءت عشية وصول العلاقات بين البلدين إلى مفترق، فإما حل المشكلات العالقة بينهما وإما مواجهة «الانهيار» على حد توصيف الوزير مولود جاويش أوغلو … أهم القضايا الخلافية على الإطلاق، تتصل بوحدات الحماية الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي، فضلاً عن تجاهل واشنطن لمطلب أنقرة تسليمها الداعية فتح الله غولان، من بين جملة من القضايا الخلافية الأخرى، الأقل أهمية.
فجوة الخلاف الواسعة بين الفريقين، أسست لفجوة ثقة أكثر اتساعاً بينهما … الأكراد، حلفاء واشنطن الموثوقون، هم خصوم تركيا الألداء … أنقرة ترغب في اقتلاع فصائلهم المسلحة عن الوجود، ويمكن أن ترتضي مؤقتاً بدفعهم إلى شرق الفرات، ربما كإجراء تكتيكي مؤقت … فيما واشنطن، التي سلحت ومولت ودربت هذه الفصائل، ترى فيها ركيزة أساسية في استراتيجيتها الجديدة حيال سوريا، وقد خصصت أزيد من نصف مليار دولار لدعم هذه الفصائل في العام الجاري 2019.
واشنطن لا تثق بأردوغان وحزبه، وتقلقها أجندته الإسلامية – الإخوانية، ومواقفه من إسرائيل، ولا تشاطره تقييمه للحركة الكردية في شمال سوريا، وتعتبر أن قضية فتح الله غولان، حُمّلت بأكثر مما تحتمل، وهذه جميعها موضوعات تضرب على «عصب» الرئيس التركي وتمس أكثر المواقع حساسية في السياسة التركية … في المقابل، ترى أنقرة، أن واشنطن، تبيعها «الوعود الزائفة» فقط، وأنها تناور وتراوغ وأن أفعالها تناقض أقوالها … تركيا تضع في صميم حساباتها «البعيدة»، سيناريو ضلوع الولايات المتحدة، في «مؤامرة» للمس بوحدتها وسيادتها واستقرارها… لكن الجانبين مع ذلك، وبرغم ذلك، يدركان الأهمية الاستراتيجية لعلاقاتهما الثنائية، فلا واشنطن بصدد التخلي عن ثاني أكبر قوة أطلسية مسلحة تقليدية، ولا أنقرة بصدد التخلي عن «درع الناتو» وعلاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن.
زيارة تيلرسون لأنقرة، لم تبدد الخلافات العميقة التي باعدت ما بين الدولتين، والاجتماع المطول المنفرد بين الوزير الأمريكي والرئيس التركي (بحضور وزير الخارجية التركي مترجماً) انتهى إلى ما يمكن وصفه «اتفاق على إدارة الخلاف» … تم تشكيل لجنة من ممثلين عن وزارات الدفاع والخارجية والاستخبارات لمعالجة هذه الملفات، ووعدت واشنطن بدراسة اقتراح أنقرة، دون أن توافق عليه حتى الآن، بنشر قوات تركية – أمريكية مشتركة في منبج، بعد إخراج «ب ي د/ ي ب ك» من المدينة وحلول ميليشيات موالية لتركيا محلها… أما بقية الملفات، فلا يبدو أنها حظيت بنصيبها من البحث والتداول بين الجانبين.