إنهم مواطنون سوريون يقررون ركوب البحر نحو المجهول، رغم خطر الموت. وبالنسبة للنازحين والمهاجرين من مختلف مناطق سوريا، فإن الرحلة بين الأمواج العاتية أفضل من البقاء بين فكّي كماشة الإرهاب واستبداد السلطة.
لم يعد هناك موسم خاص للهجرة نحو الشمال! الهجرة أصبحت حركة دائمة شبيهة بخطوط قطارات المدن التي تنقل الركاب باستمرار. إما السقوط في غياهب الجب أو مواصلة الرحلة إلى ما وراء البحر، وقد تجد في استقبالك هناك من هو أرحم من إخوتك، بحسب تقرير لموقع “دويتش فيلله” الألماني.
أصبحت الهجرة حلم معظم السوريين. وكثير من المهربين يحققون ذلك، فينظمون الرحلات بسريّة بعيداً عن حرس الحدود وربما بتواطؤ معهم، حيث ليس هناك من يضمن نجاح المشروع إلى المستقبل المجهول. لم يطمئن الشاب السوري هاني (25 سنة) المقيم في لبنان، لهذا الوضع، فتراجع عن تطبيق فكرته بشأن الهجرة غير المضمونة، خصوصاً بعد ما سمعه وشاهده من كوارث لم يسبق أن حدثت في تاريخ الهجرات.
يتحدث هاني لـ “DW” عن سوريين يقومون بتهريب أشخاص عبر شواطئ لبنان نحو اليونان وإيطاليا بمساعدة من سماسرة لبنانيين. ويشرح أنه تم ضبط بعضهم كما اعتقل بعضهم الآخر، فتحول طريق الهجرة إلى تركيا.
ويشير الشاب هاني الذي يخشى الإفصاح عن هويته، إلى أن سورياً كان مقيماً في تركيا جاء إلى لبنان ليعمل في تهريب السوريين، مستغلاً أوضاع هؤلاء غير القانونية، حيث لا يملك عدد منهم جوازات سفر، للرحيل عبر طرابلس. ويقال أن هذا الشخص الذي كان يتقاضى 5500 دولار عن كل شخص، قد تم الكشف عنه من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية، فتوقفت عمليات التهريب هناك.
ويوضح هاني الذي يعمل في أحد مطاعم بيروت، أن السمسار طلب منه مبلغاً ماليا ليدفعه في “مكتب وهمي “، ملقّناً الزبون “شيفرة” لاستعمالها فور وصوله إلى مكان متفق عليه في إيطاليا. وبموجب تلك “الشيفرة” يتم تسليم ما تبقى من النقود على الجانب الآخر. إن “الرحلة من طرابلس في شمال لبنان تستغرق حتى سواحل إيطاليا ما بين خمسة وسبعة أيام، في قارب يتسع لعدد كبير من المهاجرين. لكن الآن وبعد توقف التهريب من لبنان، أصبحت تركيا مقصد السوريين المقيمين هنا، حيث يمكنهم الوصول إلى منطقة التهريب عبر مناطق حدودية في شمال سوريا”.
ويضيف هاني أن العاملين في هذه “المهنة الجديدة” يعملون على إقناع الزبون بأن الرحلة مضمونة وأن المركب مريح، والبحر هادئ والمرافئ آمنة، “كل شيء مظبط” بمعنى أن عملية التهريب تتم من خلال تقديم رشوة مالية. وعادة ما يطلب المهرب من اللاجئين عدم حمل أشياء ثقيلة معهم والاكتفاء بما هو خفيف حمله من طعام وأشياء خاصة بالشخص، إضافة إلى سترة للنجاة.
ما أثار استغراب هاني أن المهرب لم يتحدث عن ضرورة إجادة السباحة، كما إنه لم يطلب جوازات سفر. الرحلة بدائية جداً. لا حديث هنا عن حدود او معاهدات دولية أو سيادة اقليمية. وبسبب عدم اقتناعه بمشروع الهجرة فضل هاني كم يقول “الموت على أرض وطني على الغرق في البحر وحياة المعاناة الشاقة في بلد لا أعرف فيه أحداً “.
أحد أصدقاء هاني دفع مبلغ 3500 دولار للسفر من تركيا، وقد تمكن القارب من الوصول إلى اليونان، لكن الشرطة أعادته الى أزمير التركية. وغادر الشاب تركيا مرة أخرى من بودروم، حيث دفع 1100 دولار للسفر إلى جزيرة يونانية. ومن هناك واصل رحلته في باخرة أوصلته الى العاصمة اليونانية آثينا وكلفته نحو خمسين دولاراً، ثم سار نحو الحدود المقدونية فإلى صربيا وبلغراد بتكلفة لم تتعدّ المئة يورو. ومن بلغراد لزمه دفع 1500 دولار لأحد المهربين لتوصيله إلى فيينا، قبل أن يتوجه إلى ألمانيا بتكلفة 125 يورو ، ومنها دخل أخيرا إلى الأراضي الهولندية التي نزح إليها.
أما بالنسبة لعمر الحلبي الذي كان يعيش مع زوجته في لبنان، فقد ضاقت به سبل العيش وعاد إلى قريته في ريف حلب. وهناك عانى الأمرين تحت سلطة تنظيم “الدولة الاسلامية” ، كما يروي عمر لـ DWعربية، عبر فايسبوك: ” لا مجال هنا للعيش بحرية. ثمة قيود كثيرة تتعلق باللباس والتصرفات وضرورة الخضوع لدورات دروس الشريعة الاسلامية. لم احتمل البقاء هناك فقررت الهجرة مع زوجتي نحو الغرب “.
لم يذعن عمر لنصائح أصدقائه بعدم خوض غمار البحر، حيث قرر السفر الى اليونان عبر تركيا. وتقدم بطلب لجوء عند وصوله إلى هناك، غير أنه لايعرف حتى الآن ما هي الدولة التي ستحتضنه بعد هروبه من مآسي الحرب والاستبداد الذي لحق بعائلته من طرف النظام السوري ومن التنظيمات “الجهادية” على حد سواء. ويشرح عمر قراره بمغادرة وطنه قائلا: “إذا كان البحر ذئباً فهو أرحم من إخوتي، كما قال النبي يوسف حين القاه إخوته في البئر”.