نون والقلم

رضوان السيد يكتب: الصراع على سوريا وتأثيراته على لبنان

منذ إسقاط السوخوي في إدلب، وإيقاف الأميركيين لهجمة النظام السوري وميليشياته للاستيلاء على أحد حقول النفط بدير الزور، كان منتظراً أن يردَّ الروس على الأميركيين، بتصعيد الهجمات في إدلب والغوطة الشرقية، وصولاً لإسقاط الإف – 16 الإسرائيلية، ومنع إسرائيل من الاستمرار في الحرب على المواقع الإيرانية بجوار دمشق وعلى الحدود السورية – اللبنانية – الإسرائيلية.
الإيرانيون والسوريون وإعلام «حزب الله» في لبنان، كل هؤلاء – وهم طرف واحدٌ – اعتبروا إسقاط الطائرة انتصاراً يُنسي كلَّ ما عداه، منذ خمس سنوات، وبشرّوا بحربٍ قادمة لن تجرؤ إسرائيل على خوضها. والإسرائيليون قالوا إن الطائرة سقطت مُصادفة بسبب سوء تصرف الطيارَين، بالإمكانيات التي لديهما، وأنهم سوف يستمرون في سياستهم لمنع إيران من التمركز على حدودهم، وتذمروا في الوقت نفسه من قلة حيلة الأميركيين، وأظهروا اعتمادهم على الرئيس بوتين في إنفاذ التعهدات الثنائية، ومنع نشوب حرب ـشاملة في المنطقة.
لماذا يتذمر الإسرائيليون من الأميركيين، ولماذا هذه الحماسة الإيرانية للحرب؟ يرى الإسرائيليون أنه كانت هناك تعهدات من جانبهم ومن جانب الروس للأردن ولإسرائيل، بأن لا تقترب إيران وميليشياتها من حدودهما، ولا من الحدود السورية – العراقية. وصحيح أنّ الأميركيين لا يزالون بقاعدة التنف، لكنّ الحدود الإسرائيلية ما عادت آمنة رغم التعهدات المتكاثرة. ولذلك تكررت زيارات نتنياهو لموسكو وسوتشي، لكي يذكّر الإسرائيليون الروس بالتعهدات، ولكي يستمر «حقهم» في الإغارة على المواقع الإيرانية والمتأيرنة «حزب الله» على مقربة من الحدود لناحية لبنان، ولناحية الجولان.
أما الإيرانيون فيستمرون منذ الربع الأول من العام 2017 في الزحف باتجاه الحدود مع الجولان المحتل. ثم إنّ إسرائيل بدأت تتهمهم بتطوير مصانع للصواريخ وقواعد في سوريا ولبنان، يمكن منها وبها إلحاق خسائر كبيرة بالكيان إذا نشبت الحرب. وقد خفتت تهديدات الحزب العلنية لإسرائيل بعد العام 2013 بسبب انشغال الحزب في سوريا، لكنّ اللهجة الحربية تصاعدت من جديد في العام 2017 بعد أن مالت الكفة لصالح النظام السوري بسبب التدخل الروسي. وفي الشهور الأخيرة من العام قيل إنّ الحزب وزّع قوات النخبة في ميليشياته بين سوريا ولبنان. وبدا أنه (من الناحية الإعلامية على الأقلّ) يتوقع حرباً قريبة مع إسرائيل، وهو مستعدٌّ لها، مع الاستمرار في القول إنّ الإسرائيليين لن يتجرأوا على ذلك بسبب ضخامة القدرات العسكرية التي جمعوها وطوروها في لبنان وسوريا.
إيران تعتبر لبنان وسوريا ساحة استراتيجية واحدة. وليس بسبب الحدود المشتركة، والأرض المشتركة فقط، بل ولأنها استولت من سنوات على الساحة اللبنانية، ووصلتها بالساحة السورية لجهة القلمون في وسط سوريا، ولجهة جنوب دمشق فالجولان. واستناداً إلى تجربتها في العراق ولبنان، فهي تتوقع أن يغادر الروس سوريا بعد الحرب، باستثناء القواعد، كما حصل مع الأميركيين في العراق؛ في حين يكونُ الإيرانيون قد ثبّتوا أقدامهم بداخل البلاد وعلى حدودها من الشمال إلى الوسط إلى الجنوب، ومع الحدود العراقية واللبنانية والجولان المحتل.
لقد أدرك الإسرائيليون ذلك بسبب العلنية التي تتّسم بها التصرفات الإيرانية في السنوات الأخيرة. ولذلك تكثفت غاراتهم بالداخل السوري وعلى الحدود مع لبنان بحجة منع إدخال السلاح للحزب، والآن بحجة منع الإيرانيين من إنشاء قواعد وتطوير أسلحة. ولأنّ الساحتين السورية واللبنانية مترابطتان في المنظور الإيراني؛ فإنّ إسرائيل أقبلت على بناء جدار فاصل على الحدود مع لبنان، يشبه الجدار الفاصل الذي سبق أن أقاموه في الجولان. وقد امتدّ الجدار الأرضي إلى البحر، عندما أعلنوا أنّ البلوك رقم 9 الذي حدده اللبنانيون للبحث فيه عن البترول يقع بعضه ضمن المجال البحري الإسرائيلي، وهو أمرٌ غير صحيح بالطبع، لكنّ الإسرائيليين يريدون القول إنّ لبنان لن يستمتع بثرواته البحرية، ولن يجري الانسحاب من أرضه (مزارع شبعا) ما دامت الميليشيات الإيرانية موجودة على حدود الكيان في لبنان وسوريا.
وما تصرفت السلطة اللبنانية من قبل بحكمة، ولا هي تتصرف بحكمة اليوم. فطوال الشهور الماضية ظلَّ رئيس الجمهورية يصرّح بأنّ لبنان بحاجة لـ«حزب الله» وسلاحه لردع إسرائيل وتحرير الأرض، كما أنه بحاجة للحزب لمكافحة الإرهاب (!). ورئيس الحكومة اللبنانية يصرّح بأنّ الحزب لا يستعمل سلاحه في الداخل اللبناني؛ فأين يستخدمه إذن؟! ويعود رئيس الجمهورية للقول: إن سلاح الحزب باقٍ لحين انتهاء أزمة الشرق الأوسط! وكل هذا الكلام لا يعرِّض أمن لبنان للخطر فقط؛ بل ويخالف القرارات الدولية التي تمنع الحزب من الوجود في جنوب لبنان الذي يوجد فيه الجيش والقوات الدولية. كما أنّ القرار الدولي رقم 1559 يمنع وجود سلاح غير سلاح الجيش والقوى الأمنية على أرض لبنان!
الحرب واقعة في سوريا في كل مكان من سنوات. وقد دخلت إسرائيل على الحرب هناك بقوة الآن، بسبب الوجود الإيراني في سوريا على حدودها كما يقول الإسرائيليون. لكنّ السلطة اللبنانية وبدلاً من الانشغال بتطبيق النأي بالنفس، ووقاية لبنان من الأخطار بقدر الإمكان، تزيد في احتضان ميليشيا الحزب إمّا عجزاً وإما اقتناعاً أنّ المحور الإيراني هو الذي يستطيع حماية لبنان، وليس القرارات الدولية ولا القوات الدولية ولا الجيش اللبناني!
ويبقى السؤال المكرور: لماذا تريد إيران أو تتظاهر أنها تريد الحرب؟ يعتقد الإيرانيون أنّ حرب العام 2006 هي التي مكنتهم من السيطرة على لبنان، ويحسبون أنّ سوريا تحتاج شرعنة السيطرة عليها إلى حربٍ لن يخسروا فيها إيرانيين كثيرين، وتكون مكافأة لكلّ ما قدِّموه لنظام الأسد.
وعندهم الآن دافعٌ آخر. فالتذمر الداخلي بإيران ركّز على الإنفاق الهائل على الميليشيات خارج إيران مثل «حزب الله» وحماس وغزة والميليشيات الشيعية في سوريا والعراق. ولذلك يكون على الحرس الثوري إثبات أنّ هذا الإنفاق ليس عبثياً في مقابل الإمبراطورية من ضمنها ثلاثة بلدان عربية هي العراق وسوريا ولبنان!
هل تؤدي هذه الإمبراطورية إلى تحسين أحوال الشعب الإيراني؟ وهل يسمح التنافس الدولي في سوريا بانفراد إيران بالسيطرة عليها؟ ولماذا يسلِّم لها الأميركيون والروس والأتراك والعرب بهذه السيطرة؟ وأخيراً لماذا يسلِّم الشعب السوري بسيطرة عصائب طائفية على بلاده؟
يقول الخبراء المتذاكون إنّ الإيراني «حسّيب» فهو صانع السجاد الصبور، الذي يحيك السجادة قطبة قطبة. لكنّ هؤلاء يتجاهلون أنّ إيرانيي ولاية الفقيه، لن يجدوا للسجادة التي مزقوها وأحرقوها سوقاً ولا مشترين: «وكذلك نُوَلّي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون».

نقلا عن الشرق الأوسط

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى