مع إعلان مصر عن العملية العسكرية الشاملة في سيناء وعدة محافظات مصرية، نتذكر حملة مشابهة لها وقعت في السعودية عام 2003م، في أعقاب الحرب الأميركية على تنظيم القاعدة في أفغانستان آنذاك، مثلت المواجهة السعودية للعناصر الإرهابية، شكلاً محورياً في مضمون مكافحة الإرهاب، عبر خطين متوازيين، الأول أمني والثاني فكري، واستطاعت القوات الأمنية السعودية، أن تحقق نجاحات كبيرة، برغم الثمن الباهظ الذي دفعه رجال الأمن، الذين استشهدوا في تلك المواجهات، لكنها في نهاية المطاف، أدت إلى تقليص تأثيرهم، ما أدى لاحقاً إلى عمليات أمنية استباقية، أكدت نجاحاً واضحاً في مواجهة العناصر الإرهابية.
ما حدث في مصر بالتأكيد، أكثر خطورة مما حدث في السعودية، فالاختلال الأمني الناتج عن الفترة من 2011م وحتى 2013م، شكّل ثغرة في البنية الأمنية للدولة المصرية، فالجماعات الإرهابية حاولت أن تتخذ من شمال سيناء قاعدة تنطلق منها لارتكاب المجازر والجرائم، وتهديد الأمن والسلم، واستهداف القوات المصرية بعمليات وحشية وغادرة، لكنها مهما توهمت أنها قادرة على إعادة الزمن للوراء، أو قدرتها على البقاء، فستواجه قرار المصريين الواضح بمواجهة الإرهاب، وعدم السماح أن تكون بلادهم مرتعاً للجماعات المتطرفة.
تُعد مصر هدفاً كبيراً في الوطن العربي، جرى استهدافه بشكل مركز خلال العشر سنوات الأخيرة، صعود «جماعة الإخوان»، كان دلالة على الاستهداف لكيان الدولة المصرية، كما أن تبعات الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا والعراق، هو جزء لا يُمكن إغفاله إطلاقاً، فلقد اعتبرت مصر واليمن وليبيا، هي الثلاث مناطق الرئيسة التي سينتقل إليها عناصر «داعش» بعد دحرهم في الحرب الدولية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، ما يجعل من عملية (سيناء 2018) الشاملة، تقف عند صد هذه المخاطر وتوقف تسرب الإرهابيين إلى الأرض المصرية.
هناك جهد أمني كبير خلال عامي 2016م و2017م للقضاء على الإرهاب، فما يعرف بـ «ولاية سيناء»، عملت كحلقة وصل بين تنظيم «داعش»، وبين خلايا منفردة تقوم بتشكيلها في الدلتا وأطراف القاهرة، وتم اختيار الدلتا، كونها الأقرب إلى سيناء، وتحظى بكثافة سكانية، وتتلاصق محافظاتها بشكل يسهل من التحرك بينها، البؤر الإرهابية التي تشكلت في دلتا مصر، ترتبط بشبكة علاقات إرهابية خارج مصر، وتحديداً في العراق وسوريا، بحيث يتم تجنيد الشباب في هذه المنطقة وغيرها، ضمن خطة «داعش»، التي لم تتوقف حتى بعد هزيمته الكبيرة في معقله بالموصل العراقية.
مذبحة مسجد الروضة التي وقعت في العريش (نوفمبر 2017م)، تكشف مدى خطورة الخلايا الإرهابية التي تنفذ عملياتها الإرهابية عبر الذئاب المنفردة، وهي عمليات قليلة التكاليف المالية، لكنها ذات تأثير إجرامي كبير، فإذا كانت الحوادث الإرهابية التي ضربت عدة عواصم أوروبية وآسيوية، أدت لتشديد القبضة الأمنية، فإن مصر والسعودية وغيرها من الدول العربية، يتطلب الوضع فيها اقتلاع هذه الخلايا من جذورها، بسبب أن الاستهداف للدولة الوطنية المصرية وغيرها من الدول، يأتي عبر تمويل ودعم لوجستي خارجيين، ويكفي هنا التدليل على دور قطر الداعم لعدة جماعات مصنّفة إرهابية، أغدق عليها النظام في الدوحة الأموال، كما حدث مثلاً بدعم تنظيم «داعش» بمليار دولار في صفقة إخلاء عدد من الأسرى القطريين، الذين كانوا محتجزين لدى التنظيم الإرهابي.
تحول مصر من خندق الدفاع إلى الهجوم في عملية (سيناء 2018) الشاملة، يأتي أيضاً ليؤكد التعافي المصري بعد السنوات الصعبة التي عرفتها مصر، وفتحت من 30 يونيو 2013م صفحة مختلفة، استطاعت فيها مصر أن تعزز من حضورها السياسي والاقتصادي والعسكري، فآخر ما صدر عن البنك الدولي، أنه يتوقع نمواً اقتصادياً يصل إلى 4.5 %، هذا مؤشر على تعافي مصر، وأن وقوف أشقائها في السعودية والإمارات والكويت، حقق التوازن المطلوب، واستطاعت القيادة المصرية تجاوز أصعب مرحلة هددت كيان الدولة، إلى مرحلة الانتعاش الاقتصادي، الذي لا يمكن تجاوز حقيقته مع توالي افتتاح المشروعات الاقتصادية الكبرى في أرجاء مصر، لذلك، فإن عملية (سيناء 2018)، تمثل تحدياً للذراع العسكرية المصرية، فتأمين مصر هو حماية للأمن القومي العربي، الذي تبقى فيه مصر لاعباً من أهم اللاعبين، والضامنين لصيانته واستدامة المحافظة عليه من مختلف المخاطر.