علي عبيد يكتب: أطفال على خطى داعش
صدمني الخبر الذي يقول إن حوادث الإعدام الميدانية العلنية والتصفيات الجسدية الجماعية، التي نفذها أحد القادة العسكريين الليبيين ضد الدواعش، قد تحولت إلى موضة خطيرة، يتسابق أطفال مدينة بنغازي الليبية على تقليدها، حيث ظهرت مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي لأطفال دون التاسعة، يقومون بتقليد مشاهد تحاكي ما قام به ذلك القائد العسكري.
وظهر في أحد المقاطع المصورة ستة أطفال لعبوا دور أسرى من تنظيم داعش، وطفل سابع، منح نفسه رتبة نقيب، تقمص شخصية القائد العسكري، وحمل بين يديه سلاحاً، كان عبارة عن لعبة، قبل أن يقوم بتنفيذ حكم الإعدام على الأطفال الستة رمياً بالرصاص، ليتساقط أصدقاؤه واحداً تلو الآخر، واعداً بتنفيذ عمليات إعدام أخرى.
وقال الطفل الذي مثّل دور النقيب، إنه لا بد من قتل هؤلاء، واصفاً إياهم بكلاب النار والطغاة الذين يجب إعدامهم، في مشهد أثار دهشة واستنكار نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد حذّر الليبيون من مخاطر تأثر الأطفال بمشاهدة عمليات الإعدام الجماعية التي تحدث في البيئة المحيطة بهم، ومدى انبهارهم بمشاهد القتل، وافتخارهم بسياسة الانتقام من الخصوم، واعتبارها نوعاً من البطولة، كما حذروا من مدى تأثير هذه المشاهدات على تكوين شخصيات الأطفال، وبلورة أفكارهم في المستقبل.
وتعليقاً على ذلك اعتبر أحد الناشطين أن براءة الطفولة تسرق وتشوّه اليوم في ليبيا، بسبب تكرار المشاهد الدموية العلنية في الشوارع كل يوم، قائلاً إن هذا سيزرع الخوف والعدوانية والعنف في الجيل الذي تربّى وكبر على مشاهدة هذه الأحداث.
بينما لم يستغرب مدون آخر من رؤيته لأطفال ينفذون عمليات إعدام باستعمال السلاح، حتى ولو كان ذلك في إطار تمثيلي، وتساءل قائلاً: ماذا تتوقعون من أطفال ترعرعوا في مجتمع سفك الدماء وانتهاك الحرمات؟ انتظروا جيلاً آخر من الإرهابيين. وكان القائد العسكري الذي قلده الأطفال في ذلك المشهد التمثيلي قد نفّذ عملية إعدام جماعية علنية ضد أسرى تابعين لتنظيم داعش، في حادثة تم تداولها عبر مقاطع فيديو وصور بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
ما حدث من قبل هؤلاء الأطفال الليبيين، على شكل مشهد تمثيلي، يحدث في مناطق أخرى من العالم العربي، نعرفها جميعاً، على شكل مشاهد حقيقية صادمة.
وليس بعيداً عنا ما شاهدناه خلال السنوات القليلة الماضية من مشاهد لأطفال صغار، بعضهم دون سن العاشرة، دربهم تنظيم «داعش» الإرهابي على القيام بعمليات إعدام حقيقية لمعارضي النظام، والخارجين على أوامره وتعليماته في مدن العراق وسوريا التي تمكّن التنظيم من احتلالها والسيطرة عليها خلال سنوات الفوضى التي عاشتها وما زالت تعيشها هذه الدول، منذ اندلاع ما أطلقوا عليه كذباً وبهتاناً «الربيع العربي».
فإلى أين تقودنا هذه الجماعات التكفيرية المتطرفة، التي تزعم أنها تطبق شرع الله في الأرض، وهي أبعد ما تكون عن الشريعة الإسلامية السمحاء؟ وإلى أين يقودنا أمثال هذا القائد العسكري، الذي يعامل أعضاء هذه التنظيمات الإرهابية بالطريقة نفسها التي يتعاملون بها مع خصومهم، لتغرق دولنا في مزيد من الفوضى، ويطبق الطرفان شريعة الغاب، ولا يبقى للقانون والنظام مكان بيننا؟
لا شك أننا سوف نحتاج سنوات، لا يعلم إلا الله عددها، كي نعيد تربية هؤلاء الأطفال الذين شبوا على مناظر القتل وسفك الدماء هذه، ليس من قِبَل التنظيمات الإرهابية المتشددة وحدها، وإنما من قِبَل من يحاربونها أيضاً من شريحة القائد الذي أصبح نموذجاً وقدوة لأطفال بنغازي.
لكن هذا لن يجعلنا نسكت عن هذه الظاهرة الخطيرة في مجتمعاتنا العربية التي تعاني من انتشارها، في ظل حالة الفوضى التي تسودها، وفي ظل غياب سلطة الدولة الذي يغري بانتهاك كل القوانين والأعراف وأخلاق المحاربين التي لم يعد لها وجود لدى الطرفين على حد سواء، ولكن ما هو ذنب أطفالنا كي يروا هذه المشاهد الدموية، ويتأثروا بها، ويسعوا إلى تقليدها، باعتبارها ممارسات طبيعية مشروعة بين المتحاربين؟
لعل لحظة فقدان الأمل هي المنطقة التي يريد أن يوصلنا إليها من زرع بذرة الفوضى، وأوقد شرارة النزاعات المسلحة بين أبناء الوطن الواحد والأمة المتحدة، وغذى أفكار الانحياز والتعصب للدين والطائفة والمذهب والعرق والمصلحة، وشجع العمالة لبعض الأطراف الخارجية التي تهدف إلى تفتيت هذه البلدان، وتحويلها إلى مقاطعات ومحميات تابعة لها، على حساب مصلحة شعوبها، التي ستصحو يوماً على الحقيقة لتجد أوطانها ممزقة الأحشاء منهوبة الخيرات مسلوبة الإرادة، ولكن بعد فوات الأوان، وضياع الأوطان، ونشأة أجيال لم تر منذ تفتحت عيونها على الحياة إلا القتل وسفك الدماء، وقطع الرؤوس، وخراب الأوطان، وضياع البلدان، لصالح الغرباء الذين فشلوا في غزو عقول أطفالنا من الخارج، حين كنا جبهة واحدة متماسكة، ونجحوا في ذلك عندما تحولنا إلى جبهات شتى، وجماعات يحارب بعضها بعضاً.
صور الأطفال وهم يعيدون تمثيل مشاهد القتل والإعدام يجب ألا تمر علينا مرور الكرام، حتى لو كانت السكين قد غاصت عميقاً في اللحم ووصلت العظم، كي لا نصل إلى مرحلة اليأس فنخسر اليوم والغد، مثلما فقدنا الأمس. لأن أقصى ما يتمنى أعداؤنا أن يصلوا إليه، هو أن يروا أطفالنا على هذه الحال، فحين يصل أطفالنا إلى هذه الحال يصبح القضاء علينا سهل المنال، وتصبح السيطرة علينا من خلال تشكيل هؤلاء الأطفال أمراً واقعاً، مهما تصورنا أن هزيمتنا ضرب من الخيال.