نون والقلم

خيرالله خيرالله يكتب: قبل أن تهتمّ إيران بالقدس

هل النظام الإيراني قويّ او ضعيف؟ يعود السؤال ليطرح نفسه في ظلّ الاوضاع المعيشية السيئة في الداخل، بما في ذلك إنقطاع المياه عن أهالي مدينة مثل أصفهان، بعد تبديد مخزونات المياه الجوفية فيها. ما يجعل السؤال يطرح نفسه بحدّة هذه الايّام هو ذلك الإصرار على عرض عضلات «الجمهورية الإسلامية» خارج حدودها. فكلام احد مسؤولي «الحرس الثوري» عن استخدام الجيشين العراقي والسوري كدرع لـ«الجمهورية الإسلامية» يعطي فكرة عن الرغبة في التظاهر بالقوّة والنفوذ لترهيب الدول القريبة والسعي إلى ابتزاز الولايات المتحدة.

لم يتردّد العميد حسين سلامي، نائب قائد «الحرس الثوري»، في تأكيد أنّ «من غير المنطقي أن يحصر ايّ بلد نطاق أمنه داخل حدوده. نحن نعتبر الجيشين السوري والعراقي عمقا استراتيجيا لنا». أضاف: «ان افضل استراتيجية للاشتباك مع العدو تكون من بعد». وهذا يعني بكل وضوح أستعداد إيران لنقل المواجهة العسكرية مع أميركا، في حال حصولها، إلى أراضي العراق وسورية حيث هناك وجود للقوات الأميركية. يعتبر هذا الكلام ذرّا للرماد في العيون ولا شيء آخر غير ذلك. هل هناك جيش عراقي فعّال هذه الايّام؟ ماذا عن مصير الجيش السوري الذي يستخدم في شنّ حرب على السوريين والذي لم يكن يوما سوى أداة للدفاع عن نظام اقلّوي صار في مزبلة التاريخ؟

ليس كلّ ما تقوم به إيران حالياً، سوى محاولة لترهيب الدول العربية لا اكثر والوصول إلى صفقة جديدة مع الولايات المتحدة التي استطاعت أن تعرّي النظام الإيراني بعد كلّ الخدمات التي قدّمتها له، بما في ذلك تسليمه العراق على صحن من فضّة. نعم، استطاعت أميركا تعرية النظام في إيران، لسبب في غاية البساطة… يعود إلى تحكّمها الى حد كبير بالاقتصاد العالمي. من بين الأسباب التي تمكّنها من ذلك حجم اقتصادها وما تمتلكه من تكنولوجيا متقدّمة في مختلف المجالات.

الاهمّ من ذلك كلّه أن الولايات المتحدة تمتلك القدرة على الأنتظار لتحقيق الانتصار. مسموح لها، للأسف الشديد، بارتكاب كلّ الأخطاء التي يمكن ارتكابها، أكان ذلك في فيتنام، كما حصل في ستينات القرن الماضي وسبعيناته، او كما حصل في العراق في السنوات الاولى من القرن الواحد والعشرين. ولكن، في نهاية المطاف، استسلمت فيتنام التي انتصرت على الولايات المتحدة في العام 1975، وباتت الشركات الاميركية موضع ترحيب في هانوي التي كانت في مرحلة معيّنة عاصمة لثوار العالم الذين يريدون القضاء على الامبريالية الاميركية وتمريغ انفها بالوحل.

اكثر من ذلك، هناك قوّة اقتصادية عالمية اسمها الصين لا تتجرّأ على الدخول في أي مواجهة مباشرة مع اميركا حفاظا على مصالحها وعلى مصالح شعبها اوّلا وأخيراً. لماذا لا تستعين ايران بالحكمة التي جعلت الصين تتخلص من أفكار ماو تسي تونغ التي اخذتها من كارثة إلى أخرى. انصرفت الصين الحديثة إلى معالجة مشاكلها الداخلية التي لا تحصى بدل ممارسة لعبة الهرب المستمرّ منها إلى خارج حدودها. امتلكت شجاعة الاعتراف باخطاء الماضي. هذا ما مكّنها، ولا شيء آخر غيره، من أن تصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

ما تريده إيران الآن من خلال التصريحات النارية التي يطلقها المسؤولون فيها بين حين وآخر هو الظهور في مظهر القوّة الإقليمية المهيمنة في ضوء رغبة إدارة دونالد ترامب في التخلّص من الاتفاق في شأن ملفّها النووي. لعلّ اخطر ما تفعله إدارة ترامب يتمثّل في وضع هذا الاتفاق في حجمه الحقيقي من جهة ومنع إيران من تحقيق مكاسب من خلاله. وهذا يعني في طبيعة الحال ربط الاتفاق الذي وقعته إيران مع البلدان الخمسة زائدا واحدا بسلوكها خارج حدودها وبالصواريخ الباليستية التي تطورّها.

لن تنطلي مثل هذه التصريحات الإيرانية على احد، خصوصا على اميركا. انكشفت إيران في اليوم الذي أضطرت فيه الى الاستعانة بروسيا من اجل إبقاء بشّار الأسد في دمشق. ما يفترض تذكّره بين حين وآخر ان قاسم سليماني قائد «لواء القدس» في «الحرس الثوري» الذي تقاتل الميليشيات المذهبية في سورية بأمرته زار موسكو قبل الإعلان الروسي عن التدخل المباشر في الحرب التي تستهدف الشعب السوري. كان ذلك في سبتمبر 2015. الأكيد أن روسيا التي أرسلت قاذفاتها الى قاعدة حميميم، ليست جمعية خيرية، وهي ليست في وارد الخضوع لايّ شروط إيرانية او أخرى يضعها نظام بشّار، الذي أكل الدهر عليه وشرب.

الاهمّ من ذلك كلّه، أنّ روسيا على علاقة اكثر من وطيدة مع إسرائيل، التي لديها، أيضا، حسابات خاصة بها في سورية. تقوم هذه الحسابات على الحدّ من النفوذ الإيراني من جهة والمحافظة على نظام بشّار أطول مدّة ممكنة من جهة أخرى. ليس من ضمانة لإسرائيل، اهمّ من وجود هذا النظام، ولو صوريا، كي يتمّ الانتهاء من سورية وتأكيد أن الجولان صار قضيّة منسية.

كان التدخل الروسي المباشر في سورية نقطة تحوّل على الصعيد الإقليمي. ترافق هذا التدخل مع وجود خطوط عريضة لتفاهم أميركي – روسي يشمل تكريس الوجود العسكري للولايات المتحدة في شرق الفرات، أي في المنطقة التي فيها قسم كبير من ثروات سورية. كذلك ترافق هذا التدخل مع دور أكبر لتركيا داخل سورية. لعبت أنقرة دورا مهمّا في تحييد حلب التي لم يسمح للأسد بزيارتها أواخر العام 2016 للاحتفال بالانتصار الذي تحقّق على أهلها.

باختصار شديد، لا تزال إيران لاعبا في سورية. لكنّها لم تعد لاعبا أساسيا. هذا ما يفسّر تلك النبرة العالية التي يستخدمها هذا المسؤول او ذاك في طهران لتغطية التراجع المستمرّ للنفوذ الإيراني في سورية، وهو تراجع تحاول إيران التعويض عنه في العراق أو لبنان أو اليمن أو عبر تصعيد في البحرين.

خلاصة الامر انّ سورية صارت تحت خمس وصايات. هناك سورية الأميركية، وسورية الإسرائيلية، وسورية التركية، وسورية الروسية… وأخيرا سورية الإيرانية. هل مسموح لطهران أن تكون في سورية في المدى الطويل وأن تعتبر أنّ في استطاعتها إقامة قواعد صواريخ تهدّد منها إسرائيل حليفة روسيا والولايات المتحدة في الوقت ذاته؟

عاجلا ام آجلا، ستكتشف إيران انّ اللعبة في المنطقة اكبر منها بكثير وانّ الاتحاد السوفياتي السابق جرّب قبلها ان تكون له قواعد منتشرة في كلّ انحاء العالم، بما في ذلك الشرق الاوسط، لكنّه فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق اهدافه. تبيّن أخيرا أن لا قيمة لهذه القواعد من دون اقتصاد قويّ ومن دون القدرة على تلبية مطالب المواطن العادي في الاتحاد السوفياتي نفسه.

قبل ان تهتمّ إيران بالقدس وتحريرها من اجل المزايدة على العرب، لا أكثر، لماذا لا تسعى إلى إيجاد حلول لأزمة المياه في أصفهان؟

نقلا عن صحيفة الرأى الكويتية

 

أخبار ذات صلة

Check Also
Close
Back to top button