طال أمد انتظارنا للانفراج السياسي، بعد سنوات من الاحتقان والتأزم، تم خلالها التضييق على الحريات العامة من قبل الحكومة والحريات الخاصة من قبل جماعات «الردة الدينية»، وفرض نظام انتخابي يفتت الأصوات ويكرس القبلية والطائفية، وذلك في ظل تعدد الدوائر الانتخابية، وهو بذلك لا يصب في صالح التمثيل الشعبي العادل، ويجعل الترشيح والانتخاب فردياً مما يحول دون وجود برامج انتخابية جادة وذات نفس إصلاحي.
وقد سن مجلس الأمة حزمة من القوانين وصادق على أخرى، تضع قيوداً متزايدة على حرية التعبير والرأي، كما شددت عقوبة الرأي المعارض والاحتجاج السلمي…
هذه الأجواء إضافة إلى أنها تصنع هوة مع الشعب، تخلق تململاً وضيقاً وشعوراً بالقيد، بل ترافقت هذه الأزمة مع هجمة ضد المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية، فتم رفع سعر البنزين وبعض السلع، ورفعت الدعوم عن بعض الخدمات والسلع، ويجري التحضير لفرض ضريبة القيمة المضافة، ورفع قيمة تعرفة الكهرباء والماء.
كما أن إضعاف الصوت الوطني والشعبي، أضعف الجبهة الداخلية وأجج الطائفية والقبلية وخطاب الكراهية والفرقة، وخلق بيئة مناسبة للفساد والاستيلاء على المال العام بطرق مختلفة، فلم يُحسب حساباً لتعقد الوضع الإقليمي، الذي يحتاج إلى اشراك الشعب في القرار، وشعوره بالانتماء الوطني، ووجد في الانتماءات الجزئية الضيقة بديلاً عنه.
ومع استمرار سوء الإدارة الحكومية، يستمر التدهور في البنى التحتية والخدمات الصحية والتعليمية، وترك البعض لرفع أسعار الأراضي والمضاربة عليها، ورفع أسعار السكن المستأجر والمحلات التجارية، ولعب تجار الاقامات والمتاجرين بالبشر دوراً محورياً في إغراق البلد بعمالة هامشية، تشكل عبئاً على موازنات الدولة وتضغط على الخدمات، مع انتشار الجريمة التي أصبحت منظمة، وارتفعت معدلات التضخم والبطالة، واكتظت الجامعة والمعاهد العليا بالطلبة، وانتشرت الشهادات العليا المزورة، وانزاح المخلصون والكفاءات الوطنية إلى الظل.
فلا توجد حلول ترقيعية لهذه الأزمة الخانقة، بل حل منطقي وواقعي، وهو التنفيس على صمام الأزمة السياسية، وإطلاق الحريات العامة والخاصة، والعودة للدستور والالتزام بمواده، وتشريع القوانين بما يتماشى مع هذه المواد، والتوقف عن السياسة الريعية، والبدء بتنمية مستقلة مع إلغاء التبعية الاقتصادية المطلقة، والعودة للشعب مصدر السلطات جميعاً، كما ينص الدستور.