الحديث عن حرب عالمية ثالثة ليس جديداً. البعض يقابله باستخفاف، مستبعِداً إمكانية حدوث ذلك، وآخرون يرتجفون لمجرد أن يتخيلوا نتائج هذا الكابوس الكارثي على البشرية. وعلى الرغم من تراجع احتمالات هذه الحرب بعد تفكّك حلف وارسو، وانهيار الاتحاد السوفييتي، إلا أنه في كل مرة تتفجر أزمة إقليمية أو دولية، يتجدد الحديث والمخاوف عن مواجهة محتملة بين قوى دولية وإقليمية، يمكن أن تتطور إلى استخدام السلاح النووي.
الرهان على حكمة الكبار مازال رابحاً حتى الآن. فلم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية، أن تطورت أزمة دولية أو إقليمية إلى مواجهة مباشرة بين القوى العظمى. الجولة الأشهر والأخطر في هذا الرهان، كانت أزمة الصواريخ الكوبية في الستينات بين الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي، ونجت منها البشرية، غير أن التعويل على حكمة العقلاء دائماً يبدو رهاناً غير مضمون، وهذا ما تراه مجلة رصينة مثل «الإيكونوميست» البريطانية.
كان يمكن أن يذهب مثل هذا التحذير الخطير أدراج الرياح، ولا يلتفت إليه أحد، لو لم يكن صادراً على جهة بمثل عراقة وقيمة هذه الدورية البريطانية الشهيرة.
سبب آخر يجعلنا نتوقف أمام ما كتبته المجلة الأسبوع الماضي، وهو أنه جاء متسقاً تماماً مع الوثائق الرسمية الصادرة في واشنطن مؤخراً، ونعني بذلك استراتيجية الأمن القومي التي أعلنها ترامب في ديسمبر، واستراتيجية الدفاع القومي الصادرة عن وزارة الدفاع الشهر الماضي. تحدثت الوثيقتان عن خطر الطموحات الروسية والصينية، واعتبرت الوثيقة الثانية أن ما أسمته بالتنافس الاستراتيجي مع هاتين الدولتين (وليس الإرهاب)، هو التحدي الأساسي الذي يواجه الأمن القومي الأمريكي.
تحذيرات «الإيكونوميست» تمادت في هذا الاتجاه. وفي ملف بعنوان: «البشرية تتأرجح على شفا حرب عالمية»، عرضت المجلة رؤية قاتمة لمستقبل مأزوم للعلاقات التي تنتظر الولايات المتحدة والغرب من جانب، وروسيا والصين وقوى إقليمية، من جانب آخر.
واعتبرت المجلة أن الصدام بين الجانبين هو النتيجة النهائية المحتمة، في ضوء تمسك كل طرف بطموحاته القومية، وأهدافه الاستراتيجية، ومصالحه الخارجية. ويتبنّى كتاب المجلة نفس وجهة نظر واشنطن، القائلة إن استمرار الهيمنة الأمريكية على العالم، وضمان الوصول إلى الأسواق، واستتباب الأمن والسلم الدوليين، كل هذا مرهون بوجود قوة عسكرية كاسحة، تضمن ردع الأعداء والخصوم، ثم القضاء عليهم تماماً إذا اقتضى الأمر.
ولأن تنازل روسيا والصين عن طموحاتهما ومصالحهما المتعارضة مع أمريكا غير مطروح، فإن الصدام لن يكون مستحيلاً في المستقبل. تستشهد المجلة بسباق التسلح الجاري حالياً، لتأكيد استعداد كل طرف لحظة المواجهة تلك. أمريكا من جانبها بدأت برنامجاً طموحاً لتطوير قدراتها النووية، ورصدت لذلك 1,2 تريليون دولار. كما تحدثت وثيقتا الأمن والدفاع الأخيرتان عن تطوير تقنيات حرب المستقبل، وتطبق روسيا أيضاً برنامجاً لتحديث منظومة الصواريخ النووية، بينما تسعى الصين لزيادة حجم وقدرات ترسانتها النووية.
ومما يزيد الأمر تعقيداً، أن بريطانيا وفرنسا تبذلان حالياً جهداً دؤوباً في نفس الاتجاه؛ بل إن قوى غير نووية مثل اليابان وألمانيا، وحتى أستراليا، تسعى للدخول في سباق التسلح النووي.
وإذا كان الصدام بين واشنطن وبكين وروسيا يبدو مؤجلاً لبعض الوقت، فإن الحرب الأمريكية ضد كوريا الشمالية وإيران؛ إحداهما أو كلتاهما، قد لا تنتظر طويلاً.
مستوى آخر من الصراع تحدثت عنه المجلة، وهو الحروب الأهلية لأسباب عرقية أو طائفية. والسيناريو المخيف الذي ترسمه، تتضاءل بجانبه ويلات القتال الذي شهدته حلب السورية، أو الموصل العراقية، على سبيل المثال. الحروب الأهلية المقبلة ستنطلق من الأحياء الفقيرة المكتظة بالسكان داخل المدن، وسيلعب النمو السكاني والتغيرات المناخية دوراً كبيراً في اندلاعها.
إنه عالم مرعب ومستقبل مخيف، ذلك الذي تتوقعه «الإيكونوميست»، ندعو الله أن يخيّب ظنّها.