نون والقلم

رشاد أبو داود يكتب: زرقاء المقاومة الفلسطينية

خالي أحمد كان ذا عينين زرقاوين واسعتين، زوجته عمتي عائشة، عيناها خضراوان، وكلاهما ذو بشرة بيضاء، بل ناصعة البياض. حين كنا صغاراً، دأبنا ألا نطيل النظر في عينيه، كيلا نغرق في بحر يافا، الذي كان يحدثنا عنه بكلام مُر. نحن الذين كان حظنا من الشتات أرضاً لا بحر لها، كنا نرى في عيونه البحر الفلسطيني من غزة إلى عكا، مروراً بحيفا.

في مدرسة الوكالة «الأونروا»، كان عدد من زملائنا ذوي شعر أشقر وبشرة لشدة بياضها منقوشة بالنمش. وفي الحارة نفس ما في المدرسة، ولولا غبار النكبة وزلة الزمن، لكان هؤلاء أجمل من نجوم هوليوود، إذا كان مقياس الجمال البشرة البيضاء والشعر الأشقر.

تذكرت هؤلاء، وأنا اقرأ تصريحات نائب وزير الخارجية الصهيوني «مايكل أورن»، يشكك في فلسطينية عائلة عهد التميمي، وأن هذه العائلة غير موجودة، متسائلاً: هل «عائلة التميمي» حقيقية، أم جرى اختلاقها من مجموعة من الممثلين جرى انتقاؤهم، بسبب لونهم الأبيض وشعرهم الأشقر، للتسويق في الولايات المتحدة، في مظهر أميركي لكسب التعاطف؟!

المفارقة، أن المجندة الإسرائيلية التي كانت تقتاد عهد في المحكمة، كانت سمراء أفريقية من يهود الفلاشا، ولولا أن الكذبة ستكون صعبة جداً على أن تصدق، لقال الإسرائيليون إنها فلسطينية وعهد إسرائيلية.ألم يدعي نتنياهو وحاخامات إسرائيل الصهاينة، أنهم حصلوا على استقلالهم من «المحتلين الفلسطينيين»؟! لقد أثارت عهد، التي صادف عيد ميلادها السادس عشر، وهي في المعتقل، ضجة في إسرائيل، دفعت بسلطات الاحتلال لمطاردة الأصل والجذور والجينات الفلسطينية لعائلة التميمي، لأن هذه الفتاة خلاياها ليست فلسطينية!!

وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، أمر قائد محطة إذاعة الجيش، بالتوقف عن بث أغاني الشاعر العبري يهونتان غيفن، أو إجراء لقاءات معه، في أعقاب قصيدته عن عهد التميمي. يقول غيفن في القصيدة:

بنت صغيرة وجميلة بالسابعة عشرة/‏‏ قامت بعمل مخيف /‏‏حين قام ضابط إسرائيلي/‏‏ بالولوج إلى بيتها مرة أخرى /‏‏ وجهت له صفعة/‏‏هي ولدت داخل هذا الواقع، وبصفعتها تلك /‏‏ جمعت خمسين عاماً من الاحتلال والإهانات /‏‏ وفي اليوم الذي ستروى به حكاية المقاومة/‏‏أنت، يا عهد التميمي/‏‏ذات الشعر الأحمر/‏‏ مثل داوود الذي صفع جوليات/‏‏ ستكونين بنفس الصف /‏‏ مع جان دارك، حنا سانش وآنا فرانك!

الصحافي الثمانيني، أوري افنيري، المعروف بنشاطه اليساري من أجل السلام، قال في مقاله بصحيفة «هآرتس»، إن اليمين الحاكم في إسرائيل، جعل بذلك من عهد التميمي «جان دارك»، تلك الفتاة الفرنسية الفلّاحة، التي اعتقلتها بريطانيا قبل 600 سنة في مقتبل «حرب المئة سنة»، بعدما خرجت ثائرة لرفع معنويات الجيش الفرنسي، ثم أُعدمت حرقاً، بتهمة الهرطقة عندما بلغت 19 عاماً.

ما قاله افنيري، تقاطع مع أصوات مماثلة، خرجت من المعارضة الإسرائيلية في معظمها، لكن كانت هناك أيضاً أصوات خافتة في الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، والتي تُعتبر أكثر عقلانية، إذ قالت: «ما لنا وما لهذه القضية التي تُثار بهذه الطريقة، وتجلب على إسرائيل انتقاداً عالمياً واسعاً؟»

الشعب الفلسطيني شأنه شأن كل شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط. بينهم من لوُحت الشمس بشرتهم، فأصبحت قهوائية اللون، وبعضهم من بقيت بشرتهم نيئة كفاكهة في منتصف النضوج. أما العيون الملونة، فتعود إلى مسألة تكون المجتمعات في كل العالم، والى مختبرات الـ «دي.إن.إيه»، التي قد تثبت أن بائعة خبز تعود جذورها إلى عائلة ملكية، وأن إمبراطوراً تعود جذوره إلى بقال في حي فقير. فانتماء شعب ما إلى أرض معينة، لا يعني أنه نبت فيها منذ سيدنا آدم أبي البشر.

في التاريخ القديم أن العربية زرقاء اليمامة، كانت حادة النظر، ترى القادم من بعد ثلاثة أيام، وها هي العربية الفلسطينية المقاومة، عهد التميمي، ترى الفجر الفلسطيني من مسافة صفعة على خد الاحتلال.

الإسرائيليون الصهاينة لا يزالون يعتقدون أنهم شعب الله المختار، لا يحق للأغيار أن يكونوا أقوى منهم، ولا يحق لهم أن تكون بشرتهم بيضاء وعيونهم زرقاء، كعيون عهد التميمي!!

* كاتب أردني

نقلا عن صحيفة البيان الإماراتية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى