لا يقل مأزق القوات الأمريكية شمال سوريا فى منطقة منبج عن مأزق القوات التركية الغازية فى منطقة عفرين السورية، فعلى امتداد عشرة أيام لا تزال القوات التركية متعثرة فى هجومها رغم وعود الرئيس رجب طيب أردوغان بأن تنجز قواته أهدافها فى غضون أيام محدودة، لكن القوات التركية المسلحة بدبابات ليوبارد الألمانية والصواريخ الأمريكية المضادة للدروع لم تستطع أن تحرز تقدماً محسوساً بسبب ضراوة المقاتلين الأكراد فى عفرين، وتصميمهم على تكبيد الأتراك خسائر جسيمة دفاعاً عن كل شبر من أرض عفرين، وبرغم أن المقاتلين الأكراد لا يملكون قوات مدرعة كافية إلا أنهم يعرفون جيداً أنهم يتعرضون لنوع من حرب الإبادة تتطلب شجاعة الصمود .
وتقول تقارير المراقبين العسكريين إن هناك صعوبات ضخمة تواجه القوات التركية لصعوبة الأرض والمناخ السكانى المُعادى لتركيا، فضلاً عن أن العملية التركية لم يتم التحضير لها جيداً، وأن الجيش التركى متورط ميدانياً، لا يملك ما يكفى من الوحدات لمواجهة المقاتلين الأكراد الذين يبلغ تعدادهم 15 ألفاً تصل إلى 30 ألفاً فى حالة التعبئة الشاملة، وتكاد العملية التركية أن تكون «محلك سر» تعتمد على القصف الجوى التركى لمواقع المقاتلين الأكراد من ارتفاعات عالية فى الأغلب عشوائية، ومن الصعوبة بمكان أن تكون المعركة حاسمة أو أن يحقق فيها أى من الطرفين انتصاراً ساحقاً رغم الخسائر الضخمة التى يمكن أن يتكبدها كلاهما، فضلاً عن أنها تسبب صراعاً مرهقاً للولايات المتحدة، لأن التدخل التركى فى عفرين يمكن أن يكون مقدمة لصراع أوسع لقوى إقليمية تدافع عن مصالح متناقضة مشروعة وغير مشروعة .
ومشكلة أمريكا الرئيسية فى حرب عفرين أنها تحاول دعم أكراد سوريا الأكراد الأعداء الألداء للرئيس التركى رجب أردوغان الذى يرفض الاعتراف بحقهم فى تقرير المصير، أو الحصول على نوع من الحكم الذاتى فى تركيا الذين هزموا داعش فى سوريا وهم أيضاً حلفاء واشنطن الذين تعتبرهم الولايات المتحدة حليف أمريكا الأول فى سوريا الذى يمكن أن يساعدها على توسيع وجودها العسكرى المحدود فى سوريا الذى لا يتجاوز الآن ألفى جندى، وإنشاء قاعدة ضخمة فى منطقة القامشلى تنافس قاعدة حميم الجوية الروسية فى منطقة اللاذقية، ويحاول الأمريكيون ركوب الجوادين فى وقت واحد، أكراد سوريا المقاتلين الأشداء، وتركيا العضو القديم فى حلف الناتو التى يرأسها أردوغان بعناده وغروره وإصراره على أن يطارد الأكراد إلى حد الإبادة.
طلب الأمريكيون من أردوغان أن يتوقف عن غزو عفرين وأن يساعدوه فى المقابل على إقامة منطقة عازلة على الحدود التركية السورية مساحتها 30 كيلو متراً، لكنه رفض وفاجأهم بعملية الغزو، وطلبوا منه أخيراً ألا يتجاوز منطقة عفرين، وأن تكون عملياته العسكرية قصيرة ومحددة مع تجنب سقوط ضحايا مدنيين قدر الإمكان، لكنه يقصف دون هوادة وعلى نحو عشوائى قرى عفرين ويعلن فى عناد شديد أن قواته سوف تواصل زحفها إلى منبج حيث توجد القوة الأمريكية المحدودة فى رحاب قوات سوريا الديمقراطية المُشّكلة أساساً من المقاتلين الأكراد حلفاء الولايات المتحدة فى الحرب على داعش، وأن هدفه الذى لن يتنازل عن مطاردة الأكراد من عفرين إلى منبج إلى الرقة إلى إدلب والحسكة، وعلى الأمريكيين أن يسحبوا قواتهم من منبج!
ويكمن مأزق الإستراتيجية الأمريكية الجديدة فى سوريا فى صعوبة الاحتفاظ بعلاقات تحالف مع خصمين لدودين هما تركيا والأكراد مع تصميم الرئيس التركى أردوغان على محاربة الأكراد حتى النهاية، كما تكمن فى غياب الثقة الشديد بين أردوغان وأمريكا حيث يتهم الرئيس التركى الولايات المتحدة بتدريب 30 ألف مقاتل كردى جديد كى يكونوا نواة قوة كردية تحمى حدود المنطقة الكردية فى سوريا باعتبارها منطقة حكم ذاتى، سواء من الجيش السورى أو من القوات التركية، مع بحث إمكانية إقامة منطقة عازلة بين الأكراد والأتراك على حدود عفرين لطمأنة تركيا.
ويرقب الروس بكثير من الارتياح الخلاف المتصاعد بين الأتراك والأمريكيين وهل يصل إلى نقطة اللاعودة لتصبح تركيا أكثر انحيازاً للروس رغم عضويتها فى الناتو، كما يرقبون مدى قدرة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان على تكسير عظام الأكراد أهم حليف للولايات المتحدة فى سوريا، بينما تقف قوات بشار الأسد على أهبة الاستعداد لدخول المعركة حلفاء لأكراد سوريا رغم إعلانهم الحكم الذاتى، وخلاصة القول أن الموقف فى عفرين مفتوح على كل الاحتمالات والمستفيد الأكبر هو الطرف الروسى والخاسر الكبير هو أردوغان.