نون والقلم

خيري منصور يكتب: ديموقراطية التماسيح !

قرأنا  كثيرا عن دموع التماسيح ، واخيرا عرفنا ان تلك الدموع لا يذرفها التمساح حزنا على الضحية بل هي نشاط بيولوجي له دور في عملية تسهيل الهضم، لكن ما  لم نسمع به من قبل هو ديموقراطية التماسيح ، التي تتلخص في مقايضة بين التمساح والطيور الصغيرة او ما يسمى في لغتنا بُغاث الطير ، فالتمساح بعد ازدراد الفريسة وسحقها بفك منشاري مشحوذ كالسكين يتبقى شيء منها بين اسنانه وهو امر يزعجه لهذا يفتح فمه كي يتيح للطيور الصغيرة الجائعة ان تلتقط ما تيسر من البقايا، لكنها ليست معاهدة بحيث يلتزم كل من الطرفين بحصته من الضحية، وما من ضمانة للطيور المسكينة بأن يبقى التمساح مفتوح الفم كما لو انه يتثاءب ، وقد يطبق فكيه على نحو مفاجىء فتتحول الطيور الى ما يشبه الطحين !

والديموقراطية في التاريخ ومنذ منشئها الاغريقي قبل اكثر من الفي عام تحولت الى عجينة رخوة يعاد تشكيلها في كل مرة حسب الطلب ، والطلب مرتبط جذريا بأنماط الانتاج السائدة، لهذا تعددت اشكالها وتعددت الوانها وحجومها وهناك من رأوا بها تقسيم الغنائم بينهم وبين انفسهم على طريقة الاقطاعي الذي كان يدفع الضريبة لنفسه فيأخذ من جيبه نقودا ويحشوها في صدر عباءته، وهذا ما عبّرت عنه المقولة الموروثة بشيء من السخرية « من الجيب للعب » او من الجيب الايمن للجيب الايسر !

وقد جرب العرب المعاصرون او بمعنى ادق المعصورون حتى آخر قطرة ديموقراطيات من طراز غير مسبوق ومنها ديموقراطية الشقاء وتوزيع البؤس بعدالة ومنها ما يذكرنا بتلك الحكاية عن قائد منتصر في حرب، طلب من احد مساعديه توزيع الغنائم بالعدل، وكذلك السبايا  فقام الرجل بالمهمة وقال لسيده هذه السبية الصبية لك في الصباح وتلك لك في الظهيرة والثالثة في المساء حتى وصل الهزيع الاخير من الليل .

اخيرا، بل اولا الديموقراطية ليست قبعة او وجبة سياسية مجانية لأنها كالحرية تماما تؤخذ ولا تُعطى !!

نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى