توقف معرفتي بعلم الآثار حيث تتوقف معارف السائح القليل الفضول. وعندما تتكاثر عليّ التواريخ والمراحل والأسماء، أدرك أنني أمام شيء عظيم لكنني أترك شرحه وتفسيره للدكتور زاهي حواس، أو من يقارنه في سوريا والعراق وبترا وبابل وبلاد الأنباط، مكتفياً من الشغف العظيم بما شهدته في تدمر. لماذا تدمر وليس بعلبك أو أسوان؟ لا أدري. ربما ألوان الأعمدة في المدينة، ربما تاريخ زنوبيا الشبيه بتاريخ كليوباترا، سواء ما كتبه المؤرخون أو ما غناه الشعراء. وفي الحالتين أعتقد أن الجمال هو الجاذب الأول في النفس.
قرأت في مجلة «الجامعة» المصرية (1908) أن أعيان مصر، والفراعنة خصوصاً، كانوا سريعي الغضب، شديدي التوتر والتسرع، لأنهم كانوا يعانون من داء المفاصل. وعرضت الجمعية الملكية البريطانية مومياء تظهر فيها آثار التكلس. وقال العالم فلندرز بيتري إنه في جميع دراساته على الأجسام المصرية القديمة وجد جميع أعراض الروماتيزم، مثل انتفاخ عقد الركب، وغيرها.
على مدى السنين لاحظت شيئاً لافتاً، أحيله على الدكتور حواس، لا أدري كم من سواي لفته أيضاً. أنا أفهم أن تكون جميع التماثيل والصور للعصور الفرعونية، تمثل نساء جميلات. فاللاتي نحتت، أو رسمت وجوههن، كن من طبقة معينة. وكان على النحات أو الرسام أن يحرص على إبراز الملامح الجمالية، أو على الأقل، إخفاء ما ليس كذلك. أما الظاهرة اللافتة فهي أن أشخاص العصر جميعاً ناحلون، لا سمنة ولا ترهل. هكذا في المنحوتات الفردية أو في اللوحات الجماعية. الجميع منسقو الأشكال كأنهم خارجون الآن من مصح حمية في النمسا. والجميع غالباً يميلون إلى الابتسام، لا يعانون من عسر هضم. وكان طه حسين إذا ما غضب من نقد توفيق الحكيم له، كرر النصيحة له بألا ينصرف إلى الكتابة بعد غداء ثقيل، وينصحه بأن ينتظر إلى المساء عندما تكون أثقاله قد خفت وأعصابه قد هدأت. ووجه إليه مرة رسالة عنوانها «عزيزي الدولة» قائلاً إن الحكيم يتصرف مثلها معتقداً أن له قوة السلطان، في حين أن كل ما في المسألة وجبة غداء كثرت فيها المحاشي!
الويل من الأدباء عندما يغضبون، والويل أحياناً عندما يرضون. ومن جملة غضبات العميد أنه حمل مرة على عباس محمود العقاد فأنكر عليه النشر، ثم رضي عنه فأعلنه أميراً للشعراء. كلاهما كان خطأ من أخطاء الوجبة الثقيلة.