التحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها الشرق الأوسط خلال الفترة الحالية، على إثر النزاعات والتدخلات الخارجية التي تعصف بالمنطقة، تدفع الكثير من الدول، ولا سيما دول الخليج العربي، إلى البحث عن بدائل استراتيجية تحفظ لها مكانتها وقوتها في حال وقوع أي أزمة سياسية أو اقتصادية يمكن تندلع فيها أو في محيطها.
مركز “القرن العربي” أصدر دراسة حول مقترح مشروع فريد من نوعه في شبه الجزيرة العربية، سماه “قناة العرب” أو “قناة سلمان”، لربط الخليج العربي ببحر العرب، في مشروع يمكن أن يكون له أبعاد استراتيجية لكل دول الخليج، يعود بالمنفعة الاقتصادية والسياسية على المنطقة.
– تفاصيل المشروع
مشروع “قناة العرب” دراسة أصدرها مركز “القرن العربي” للدراسات، ومقره الرياض، حول الأبعاد الاستراتيجية والاقتصادية لحفر قناة مائية تربط بين الخليج العربي وبحر العرب؛ لتكون بديلاً عن مضيق هرمز الذي يعتبر عنق الزجاجة الخليجية، وخصوصاً لتصدير النفط إلى العالم.
وكشف رئيس المركز، سعد بن عمر، عن إعداد دراسة متكاملة حول المشروع، الذي بدأ باسم “قناة العرب” ثم تم اقتراح اسم “قناة سلمان” تيمناً باسم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز على أمل أن يتم إنجاز المشروع في عهده.
وتعتمد الدراسة على مسار رئيسي ومسارين احتياطيين، فالقناة في الخطة الرئيسية تبدأ من الخليج العربي من الجزء التابع للسعودية على خور العديد متجهة إلى بحر العرب بطول 950كم؛ وتمتد في الأراضي السعودية 630كم، وفي الأراضي اليمنية 320كم، ويبلغ عرض القناة 150 متراً، والعمق 25 متراً.
– الأهمية الاستراتيجية
وأوضحت الدراسة الأهمية الاستراتيجية للقناة بالنسبة لدول الخليج؛ إذ ستكون ممراً نفطياً هاماً لتصدير النفط الخليجي وستستطيع دولة قطر والإمارات والكويت تصدير نفطها عبر هذه القناة إلى بحر العرب، بعيداً عن مضيق هرمز.
ويعتبر مضيق هرمز أحد أهم الممرات الملاحية العالمية، التى تربط مياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندى من جهة؛ ومياه الخليج العربى من جهة أخرى، وتقع عليه إيران من الناحية الشرقية وسلطنة عمان والإمارات من الناحية الغربية، وله أهمية استراتيجية خاصة لكل دول الخليج باعتباره المنفذ الأساسى للصادرات النفطة إلى العالم، وتعبره من 20-30 ناقلة نفط يومياً، محمّلة بنحو 40% من النفط المنقول بحراً على مستوى العالم.
هذه الأهمية جعلت المضيق محط أنظار النفوذ العالمي، ومسرحاً للصراع خصوصاً المحاولات الإيرانية للهيمنة عليه، الأمر الذي يدفع دول الخليج العربي إلى أن تبحث عن ممر احتياطي بعيداً عن أي نفوذ مشترك مع الغرب أو الجارة إيران؛ كما ستختصر السفن العابرة للقناة تجاه بحر العرب المسافة إلى النصف، بدلاً من الإبحار عبر مضيق هرمز.
– ممر حيوي جغرافياً واقتصادياً
مركز “القرن العربي” يقول في حال اكتمال المشروع، سيساعد على عودة الحياة إلى الربع الخالي، وذلك بإقامة الفنادق والمنتجعات السياحية على ضفاف القناة، كذلك اكتفاء السعودية من الثروة السمكية بإنشاء المزارع السمكية على جوانبها، وإنشاء بحيرات مرتبطة بالقناة لهذا الغرض، إضافة إلى مشاريع الطاقة وتحلية المياه، وبناء مدن سكنية متعددة أكثر من تلك التي نشأت يوماً ما على خط التابلاين في شمال المملكة.
كما ستضيف القناة 1200كم من السواحل النظيفة في منطقة الربع الخالي إلى المملكة العربية السعودية، أما على الجانب اليمني فهي ستوفر ما لا يقل عن مليون فرصة عمل طوال مدة بناء المشروع، وستضيف إلى اليمن أكثر من 700كم من السواحل التي ستنشأ عليها المدن والمنتجعات، وخاصةً أن القناة ستمر بمناطق صحراوية وتعيد الاهتمام بها.
– تحديات وصعوبات
الدراسة التي وُضعت لهذا المشروع المقترح، تناولت أيضاً التحديات التي يمكن أن تعترض تنفيذه على الأرض، مع عدم إغفال القدرة على اجتيازها؛ إذ يشكل الاختلاف في الارتفاع بين المناطق التي ستمر بها القناة تحدياً جغرافياً، وخاصة في الجزء اليمني (أو العماني)، فأعلى ارتفاع في الأراضي السعودية هو 300 متر عن سطح البحر، في حين أنه في الجانب اليمني أو العماني في بعض المواقع يصل إلى 700 متر عن سطح البحر.
أما بالنسبة للتكلفة العالية التي تقدر بـ80 مليار دولار لإنجاز هذا المشروع، فقد اقترحت الدراسة أن يتم تشكيل هيئة مستقلة من الدول المستفيدة لإدارة المشروع، وبرأس مال مشترك أيضاً لتخفيف عبء المصروفات.
وأشارت الدراسة إلى أنه يمكن أن تحل مشكلة التواصل الجغرافي ما وارء القناة بالنسبة للسعودية من خلال فتح 20 نفقاً، لتتحول هذه العقبة إلى فائدة بتخطيط ثلاث مدن سكنية ومدينتين صناعيتين، وبحيرات متعددة على جانبي القناة لمزارع الأسماك ولصيانة السفن.
– الحاجة أم المشروع
إن الحاجة لبث الروح في صحارى دول الخليج، والحاجة لتوفير أمن سياسي واقتصادي يمكن تشي بالأسباب التي دفعت مراكز بحثية إلى طرح مثل هذا الطرح. لكن تنفيذ مشروع بهذا الحجم في ظرف سياسي معقد تعيشه البلاد العربية والخليجية ليس بالأمر الهين، وخصوصاً أنه يحتاج لتوافق في الرؤى حول الاستراتيجية السياسية والأمنية والاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي.
ومن البديهي أن مشروعاً يعتمد كلياً على التوافق، يقود لسؤال عن مدى قدرة دول مجلس التعاون التقدم خطوة إلى الأمام، والانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، والتي في حال تمت سيكون لها تبعات كبيرة على كل المستويات وستساهم في تحقيق الآمال المنشودة سياسية واقتصادياً واستراتيجياً.