على تعدد الإنتماءات القومية والدينية والمذهبية والطبقية في العراق والتفاوت الفكري والعلمي والعقلي والإجتماعي الموجود في العراق وهذا ما يسبب إختلاف كبير وتعارض وتضاد وتضارب في وجهات النظر إلا إن كل ذلك يذهب أدراج الرياح أمام مسألة فساد المؤسسات الحكومية والتشريعية بمختلف صنوفها، حيث يتفق جميع العراقيون على هذا الأمر الذي وحدهم على رأي واحد، حتى صارت مسألة فساد المسؤولين – الأعم الأغلب – هي من المسلمات العقلية ومن الثوابت البديهية.
ومع علم هؤلاء الفاسدين بفسادهم ومعرفتهم برأي الشارع العراقي بهم، إلا إنهم ولموت ضميرهم وانعدام حيائهم مصرّون على تقديم أنفسهم كممثلين للشعب في الدورة البرلمانية القادمة من خلال النزول في قوائم انتخابية تحمل أسما نفس الأشخاص أو قوائم جديدة في العنوان قديمة في المضمون، بمعنى يطرحون قائمة جديدة تحت مسمى حزبي جديد لكنها تعود في الأصل لحزب فاسد، أو على أقل تقدير يطرحون وجوه جديدة لكنها تنتمي لنفس الأحزاب والكتل السياسية في محاولة للتحايل على الشعب الذي أيقن فسادهم وإفسادهم !!…
لكن السؤال الذي يطرحه نفسه في هذا الموقف هو : مع طرح القوائم الجديدة والوجوه الجديدة وحتى مع وجود القوائم الوجوه السابقة، فما الذي ستتضمنه الدعاية الإنتخابية لهؤلاء ؟ وبماذا سيتنافس المرشحون ؟ هل توجد مشاريع أو خدمات أو تطور حصل في البلد قامت به جهة حكومية أو سياسية أو حزبية حتى تطرحه في دعايتها الإنتخابية وتقول هذا منجزي الذي قدمته للشعب وأنا أحق بغير في الترشيح والفوز ؟ فكل شيء على ما هو عليه منذ عام 2003 بل ونحو الأسوأ فالأسوأ وحتى على المنجزات الحكومية فلم يحصل أي تغيير وكما يقول المرجع المحقق الصرخي في استفتاء « صراعات وحرب طائفية في العراق ».
((…بصورة عامة فان كلّ متابع يجد مجريات الأمور على الأرض وفي واقع الحال لم تتغير، فلم يحصل ولم نسمع إلا التصريحات الإعلامية من هنا وهناك ، لكن لم نرَ الآثار والتطبيقات، فالشعب العراقي لم يلمس الفرق بين فترة حكم الظالم السابق وبين الحكومة والحاكم الجديد… فالسجون هي السجون والفاسدون الفاسدون والطائفيون الطائفيون والمشرّدون المشرّدون والنازحون النازحون والمعتقلون المعتقلون والمظلومون المظلومون…)).
ولهذا ستكون الحملات الدعائية هي عبارة عن حملات تسقيط وفضائح وسباب وشتم بين تلك الأحزاب، فمنجزاتهم ستكون في طرح الفضائح أو من خلال الإدعاء بالنصر والقضاء على الإرهاب لكنهم يغفلون على إن هذا الأمر لا يعد إنجازاً ولا يمكن أن يعتبر أو يوضع في هذا الباب أي في باب الإنجازات، لأن الإرهاب لم يضرب العراق إلا بسبب الفساد المستشري في الدولة وهذا باعتراف الحكومة نفسها وكما يقال من حرك ساكناً أدركه فكيف يحسب ذلك انجازاً ؟ كما إنه يعد من الواجبات المناطة بهم فهل القيام بالواجب يعد منجزاً ؟؟…
بل إن طرح مسألة محاربة الإرهاب كدعاية إنتخابية تعد إدانة ولا يمكن لمن يفهم أن يجعل حروب التحرير من الإرهاب شعاراً له، لان ذلك يكون متاجرة بدماء الشهداء والمضحين التي أريقت، فلو لم يكن هناك فساد وسوء إدارة ودكتاتورية في الحكم لما كان هناك إرهاب من الأساس ولما سقط هذا الكم الهائل من الشهداء الذين أصبحت دمائهم الآن مجرد شعارات سوف تعلق على الدعايات الإنتخابية وهذا ليس انجازاً كما بينا، لكن طرحه سيكون بمثابة المنفذ الوحيد الذي سيحاول من خلاله الفاسدون التحايل على الشعب من أجل العودة إلى المناصب والمكاسب، وهنا سيكون الرهان على مستوى وعي وإدراك الشعب العراقي ورؤيته للمستقبل وسوف تكون قراءة تلك الرؤية من خلال الوجوه التي ستحكم العراق في الدورة البرلمانية القادمة.