نون والقلم

حبيب الصايغ يكتب: إيران وقطر وبينهما «حماس»

تشير «الخلخلة» التي حصلت، إقليمياً وعالمياً، في خلال السنوات الماضية، إلى أغصان دانية وثمار مقبلة. ليس الكلام العاطفي، وإنما لغة العقل والمنطق وربط المقدمات الصحيحة بنتائجها المحتملة. في ضوء ذلك تقرأ العلاقة الاستثنائية اليوم بين مثلث الخراب المتكون من إيران وقطر وبينهما «حماس»، حيث بلغ الفضح مبلغه، وأصبحت كل تفصيلة واضحة تماماً كما أصبح اللعب على المكشوف، فليس بعد كل الفرز المستمر إلا التمييز والاختيار، وليس بعد مفرق الطرق هذا إلا سير القوى المضادة للتيار الذي تمثله عناصر المثلث المذكور ومعها، بالضرورة، تركيا، نحو أهدافها المعلنة، بكل قوة وثقة.

الشاهد الحاضر هنا التصريحات الإعلامية لعلي أكبر ولايتي مستشار المرشد خامئني للشؤون الدولية التي افتتحها بقوله إنه ليس لأي دولة أن ترفع لواء إرساء الاستقرار في المنطقة من دون إيران، وبالغرور والعجرفة ذاتهما، يشير إلى ما أسماه حساسية الأوضاع في غرب آسيا، لافتاً إلى «ضرورة أن تبقى قواتنا الاستشارية في العراق وسوريا للدفاع عن وحدة الإسلام، لأنه لا يمكن لأي دولة أن ترفع لواء حفظ الاستقرار في المنطقة من دون إيران»، ليؤكد بعد ذلك في كلمته أمام ملتقى «تحرير المسجد الأقصى عنوان انتصار محور المقاومة»، أن الأمور في السنوات الأخيرة أخذت منحى جرى فيه تغيير اسم «منطقتنا» من الشرق الأوسط إلى غرب آسيا، و«هذا لون من ألوان محاربة الثقافة الاستعمارية، فغرب آسيا هو دوماً محط اهتمام باعتباره قلب العالم الإسلامي.

قيادة العالم الإسلامي، ومن دون فهم حقيقي للواقع ومتغيراته، هاجس نظام الملالي المتهور، والذي يبدو جلياً أنه يسير على غير هدى، مستعيناً بتعاون متخاذلين مسلمين وعرب على رأسهم اليوم قطر وحركة حماس، وكل ذلك بحجّة هشة واهية: المحافظة على أمن واستقرار المنطقة ضد أطماع الاستعمار والغرب، ويتجلى ذلك في إشارة ولايتي نفسه إلى أن الأمريكيين والأوروبيين قالوا في السنوات الأخيرة إنهم يعتزمون بناء الشرق الأوسط الجديد تارة، والشرق الأوسط الكبير تارة أخرى، حيث المقصود من الجديد العمل على تغيير الحدود، ومن الكبير التطلع للوصول إلى القوقاز وآسيا الوسطى، وكذلك نحو الهيمنة على الحدود الروسية والصينية وقد خططوا لذلك كما هيمنوا على النيل في مصر على حد تعبير ولايتي، فيما تدار الصومال منذ سنوات من دون حكومة مستقلة، وتقسمت ليبيا إلى ثلاث حكومات، وحاولوا أن «يمرروا هذا البلاء في سوريا»، ولكن إيران، يضيف ولايتي، حالت دون تمرير هذا المخطط، ولولاها لسقطت سوريا في مدة وجيزة.

حاول ولايتي، كعادة إيران، تبرير أطماع نظام الملالي التوسعية، مفسراً دعم العراق وسوريا بأنه «الوقاية قبل العلاج». هكذا تتكلم إيران، وهكذا تنفذ خططها الإجرامية لتجد في قوى وتيارات مثل قطر وحماس الحليف الاستراتيجي الموثوق، وفي كلمته علق ولايتي على لقائه الأخير مع وفد حماس في طهران ذاهباً إلى أن ممثل وفد حماس «أبلغني بأنهم يعلقون الأمل على إيران وخط المقاومة، معرباً عن شكر حماس لإيران لوقوفها في النزاع السعودي القطري إلى جانب الدوحة»، وصولاً إلى أن إيران حسب حماس «حالت دون سقوط قطر».

يستنتج أن السياسة الانتهازية المفضوحة لكل من قطر وحماس تمنح طهران المبررات والذرائع، فيما يمكن تفسير تصريحات ولايتي المادحة لحماس كرد مباشر على المقال الذي نشرته صحيفة «قانون» الإصلاحية، وهاجمت فيه حركة حماس، محذرة من دعمها والثقة بها، ومؤكدة على انتهازية الحركة، حيث عودتها «لأحضان إيران» إنما تأتي «إثر يأس حماس من الدعم العربي والسعودي».

رسالة ولايتي موجهة إلى الداخل الإيراني، لكن ما يجب لفت النظر إليه في هذا السياق، هو ما أشار إليه ولايتي من شكر حماس إيران لدعم قطر، فهذه هي المرة الأولى التي يتم الكشف فيها عن تصريح لأحد قادة حماس بهذا الوضوح، ولا عجب إذا شئنا الموضوعية، فقطر أحد محاور التنظيم الإخواني التركي، وحماس جزء من هذه التركيبة، ويستنتج المحللون أن من الطبيعي أن تكون حماس ممتنة لحماية أحد داعميها السياسيين والماليين، فَلَو سقط نظام قطر أو أجبر على تغيير سياساته، فإن حماس، لا محالة، كبش الفداء الأكبر.

وهكذا تستمر مؤامرة مثلث الشر والغدر ضد أمن واستقرار المنطقة، عبر الإنتماء الأعمى والمطلق للفكرة الحزبية الضيقة، فيما تمثل القوى النقيضة، متمثلة في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية خصوصاً، الأنموذج الساعي لتغليب صوت العقل وسياسة الحكمة في المنطقة، مستندة إلى قراءة الواقع ووقائعه موضوعياً، مع مراعاة المبادئ والثوابت، والعمل على تحقيق مصالح الأوطان والشعوب.

إزاء ذلك، يظل الغدر السمة المشتركة بين إيران وقطر وبينهما حماس، أما القاسم المشترك، فالهروب إلى الأمام، قفزاً على المشكلات الداخلية، من إيران التي تمظهر فيها الغضب الشعبي في تجليات غير مسبوقة، وما زالت الاحتجاجات الإيرانية مستمرة على شكل تجمعات في العديد من المدن المطالبة بالمرتبات الشهرية، فيما الجريمة منتشرة بشكل غير مسبوق، والعملة المحلية في القاع، والبطالة سجلت أرقاماً قياسية، والعقوبات مستمرة، مع احتمال تغير غير إيجابي في الموقف الأوروبي، وخلافات مع حلفاء الأمس في تركيا وروسيا حول المسألة السورية، وصولاً إلى قطر المرتبكة المربكة التي تحاول كل يوم تضخيم أزمتها.. نعم من حق قطر تضخيم أزمتها، وأن تنظر إليها بعينها، لكن ليس من حقها فرض النظرة ذاتها على الآخرين، والشأن معها في ذلك شأن بيت المتنبي الشهير: وتعظم في عين الصغير صغارها / وتصغر في عين العظيم العظائم، أما حركة حماس فكمن يلعب اللعبة الخطأ في الملعب الخطأ في الزمن الخطأ. فلسطين الموحدة هي الأولوية القصوى، والعمل الفلسطيني الوطني الواحد، نحو الحق الفلسطيني والقدس العاصمة الأبدية لفلسطين هو المقدم، أو هكذا يجب أن يكون، وتباً لمن يرى أن طريق القدس عبر طهران.

المعلومة المؤكدة، وهذه مهداة للحركة المشلولة حماس، أن الدعم المادي والمعنوي للقيادة الفلسطينية، خصوصاً في ظل الإجراءات والضغوط التي تُمارس على محمود عباس وفريقه من الولايات المتحدة حول مسألة الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، أو وقف الدعم المادي لبعض المؤسسات التي تقدم الرعاية الطبية والتعليمية لملايين اللاجئين الفلسطينيين، إنما من الرياض.

الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب،

رئيس تحرير صحيفة الخليج المسؤول

 نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى