عندما تواترت أنباء التعديل الوزارى قبل ساعات من حلف اليمين اتجهت الأنظار إلى رئيس الوزراء ليكون أول المستبعدين وذلك لعدة أسباب: أولها قرب الانتخابات الرئاسية التى من الممكن أن يواكبها تغيير رئيس الحكومة، ثم مرض الرجل الذى أبعده عن المشهد فترة ليست بقصيرة، بالإضافة إلى وجود قائم بأعمال رئيس الوزراء يسهل من عملية التغيير، كل هذا دفع البوصلة صوب الرجل حتى حسم خبر إعلان التعديل الأمر واستمر رئيس الحكومة فى موقعه وهو ما يدفعنا للتساؤل: لماذا استمرار شريف إسماعيل رغم كل هذه الأسباب التى كانت تدفع باتجاه تغييره؟
فى رأيى أن هذه ليست الحالة الأولى التى يستمر فيها رئيس الوزراء رغم انتشار شائعات تغييره، وتكاد تكون الأسباب والمقومات التى دفعت فى اتجاه بقائهم واحدة.
عاصرت تشكيل الحكومات فى مصر من مطبخ الحكومة كمحرر لشئون مجلس الوزراء وذلك منذ أواخر أيام المرحوم عاطف صدقى ثم الجنزورى وعاطف عبيد وأحمد نظيف وآخرين لم أعترف بوجودهم منهم الدكتور عصام شرف الذى مثل تعيينه إهانة لمنصب رئيس الوزراء وضياعاً لهيبة الدولة وتدميراً لسمعة الحكم فى مصر.
كان الرئيس مبارك متمسكًا بالدكتور عاطف صدقى حتى أنه أعاده لمنصبه فى إحدى المرات بعد إبلاغه بقرار خروجه من المنصب وتم تكليفه فى اللحظات الأخيرة بإجراء تعديل وبذلك أصبح الرجل من القلائل الذين عمروا فى هذا المنصب خلال النصف قرن الأخير ويرجع ذلك إلى الإنجاز غير المسبوق الذى حققه، حيث قاد أصعب عملية إصلاح اقتصادى فى فترة عصيبة.
أما الدكتور الجنزورى فقد أصبح الأمر مختلفًا معه فلم يكمل فى رئاسته للحكومة مدة الـ4 سنوات على الرغم من نجاحه فى تحقيق إنجازات كبيرة خلال فترة وجيزة، وربما يرجع ذلك إلى إمكانات الرجل الكبيرة التى لمستها بنفسى والتى كانت تتعدى منصب رئيس الوزراء وهو ما خلق فجوة بينه وبين مؤسسة الرئاسة.
أما الدكتور عاطف عبيد- رحمه الله- فقد طلب من الرئيس مبارك أن يتم تغييره بعد ان اقترب من استكمال فترة الـ5 سنوات، وقال للرئيس فى اجتماع وزارى رفيع المستوى برئاسة الجمهورية: لو قمت سيادتك بتغيير جميع الوزراء وأبقيت على فلن يتقبل الشعب هذا، فقد حان وقت خروجى بعد أن فعلت أقصى ما يمكن أن أفعله، بعدها بشهور قليلة اضطر الرئيس مبارك إلى تغييره، حيث تزامن طلب الدكتور عبيد مع وجود سخط جماهيرى لا علاقة له به، كما تزامن أيضًا مع رغبة مؤسسة الرئاسة فى النزول بسن رئيس الوزراء ليمهد الطريق أمام جمال مبارك أمين السياسات بالحزب الوطنى.
أما المهندس شريف إسماعيل فأعتقد أنه جمع بين المرحوم عاطف صدقى والمرحوم عاطف عبيد فقد تشابه مع الدكتور صدقى من حيث الظروف التى تولى فيها المسئولية ومع الدكتور عاطف عبيد فى طريقة إدارته للملفات وإدارته للحكومة وللاجتماعات الوزارية من خلال رسم السياسات ومتابعة التنفيذ والاعتماد على خطط مدروسة، كما تشابه مع الدكتور عبيد فى طريقة تعامله مع الوزراء وزياراته المتكررة لهم فى مقار وزاراتهم.
وتفرد المهندس شريف إسماعيل بطريقة الأداء الصامت، فقد اتخذ أصعب القرارات فى صمت وهدوء، والأهم من ذلك أنه لم يصدر مشكلة واحدة لمؤسسة الرئاسة.
قالوا لى إن المهندس شريف إسماعيل اكتشاف، فقلت لهم أبدًا، فأنا أتابع المكان الذى جاء منه منذ سنوات طويلة، وأنه لم يكن وحده بل كان هناك كفاءات تفوقه لم تتح لها الفرصة للوصول لهذا المنصب، والحكاية ببساطة أن هناك وزيراً فى مصر أيام مبارك كان يخرج لنا كل عدة أشهر قيادات واعدة أعطت ومازالت تعطى الكثير، هذا الوزير هو سامح فهمى وزير البترول الأسبق الذى يرجع له الفضل فى الدفع بقيادات واعدة كان من بينهم المهندس شريف إسماعيل وكثيرون كانوا بعيدين عن الأضواء، فعل سامح فهمى هذا لسببين: لأنه كان واثقا من نفسه وكان يؤمن بضرورة إعداد قيادات قادرة على تحمل المسئولية فى هذا البلد.