نون والقلم

السيد زهره يكتب: نحن واستراتيجية الدفاع الأمريكية الجديدة

أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية «استراتيجية الدفاع القومي» الأمريكية الجديدة، وعرض وزير الدفاع ماتيس ملامحها وأبعادها العامة.

واستراتيجية الدفاع تحدد طبيعة الأخطار والتحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في العالم، وأولويات هذه التحديات، وبالتالي اولويات الاهتمام الاستراتيجية، وكيفية التعامل معها.

الاستراتيجية الجديدة تعتبر أن التحدي الأكبر الذي تواجهه أمريكا والخطر الأكبر على مكانتها العالمية يأتي من روسيا والصين ومنافستهما على الساحة الدولية، وليس من الإرهاب.

معنى هذا أن مواجهة المنافسة التي تمثلها روسيا والصين سوف تمثل في الفترة القادمة أولوية قصوى وجوهر الاهتمام الاستراتيجي الأول لأمريكا.

ومعنى هذا أيضا، ان قضية محاربة الإرهاب لم تعد تمثل أولوية كبرى بالنسبة إلى أمريكا، وسيتراجع الاهتمام بها.

المسئولون في وزارة الدفاع الأمريكية قدموا تبريرات لتراجع الاهتمام بقضية الإرهاب على هذا النحو ولاعتبار الاستراتيجية الجديدة ان محاربة الإرهاب لم تعد أولوية، في مقدمتها أمران:

الأول: القول بأن انشغال أمريكا وتركيزها الشديد في السنوات الماضية على قضية محاربة الإرهاب ومواجهة «الدول المارقة»، صرف النظر عن الاهتمام بالتحدي الأكبر الذي تمثله روسيا والصين.

والثاني: أن الإرهاب ومحاربته هي عملية طويلة جدا لا تلوح في الأفق نهاية لها، ولهذا ليس من المنطقى وضعها على رأس الأولويات.

هذا هو جوهر الاستراتيجية الأمريكية الجديدة.

ماذا يعني هذا بالنسبة إلينا في الدول العربية؟

كيف ستؤثر على المواقف الأمريكية من القضايا العربية؟

صحيح أن الاستراتيجية اعتبرت ان إيران «دولة مارقة» وتمثل تهديدا. وقد ذكرت تحديدا «في الشرق الأوسط، تسعى إيران إلى الهيمنة وإلى فرض نفوذها وتقويض الاستقرار في المنطقة، وتستخدم الإرهاب الذي ترعاه الدولة، وشبكة واسعة من العملاء، وبرنامجا صاروخيا، لتحقيق أهدافها».

وصحيح أن أحد أبعاد الاستراتيجية هو العمل الوثيق مع حلفاء أمريكا، بشرط تقاسم الأعباء.

لكن مع هذا، المؤكد أن هذه الاستراتيجية الجديدة تمثل تحولا مهما كبيرا في الاستراتيجية الأمريكية، ويترتب عليها نتائج وتبعات بالنسبة إلى المواقف والسياسات الأمريكية إزاء الدول العربية والقضايا العربية، يجب أن نتنبه إليها.

هذه الاستراتيجية تعني اولا وقبل كل شيء، أن الأهمية الاستراتيجية للمنطقة سوف تتراجع بالنسبة إلى أمريكا في الفترة القادمة. قضايا المنطقة والتحديات التي تواجه الدول العربية لن يكون لها أولوية كبيرة على قائمة الاهتمامات الأمريكية.

بالطبع، لا يعني هذا أن أمريكا سوف تنسحب من المنطقة، أو سوف تتجاهلها تماما، فهي لا تستطيع ذلك، لكن يعني أنها لن تكون في مقدمة أولوياتها أو اهتماماتها كما كان الحال في السنوات الماضية.

أمريكا مثلا لن تتخلى عن سياستها المعلنة بشأن محاربة الإرهاب، لكن القضية، كما تؤكد الاستراتيجية الجديدة صراحة، لن تكون لها أولوية.

والإدارة الأمريكية مثلا لن تتخلى عن مواقفها من النظام الإيراني باعتباره أكبر داعم للإرهاب ويهدد أمن واستقرار المنطقة ويسعى إلى الهيمنة وضرورة مواجهته، لكنها لن تذهب بعيدا في ترجمة هذه المواقف عمليا.

بعبارة أخرى، أمريكا لن تدخل في أي مواجهة مع النظام الإيراني في أي مكان لردعه ووضع حد لخطره وما يمارسه من إرهاب.

أغلب الظن أن الموقف الأمريكي من النظام الإيراني ومن الخطر الإيراني سوف يبقى عند حدود الإدانات النظرية، وفرض بعض العقوبات، ولن يتعدى ذلك.

التحول في الاستراتيجية الأمريكية على هذا النحو، أمر مهم بالنسبة إلينا في الدول العربية، ويجب أن ندرس ما الذي يعنيه وما الذي يترتب عليه.

وهذا التحول يؤكد ما نبهنا إليه عشرات المرات، بأن الدول العربية يجب أن تعتمد على نفسها أولا وأخيرا في مواجهة الأخطار والتحديات التي تعصف بالمنطقة وتهدد أمن واستقرار دولنا.

في نهاية المطاف، لا أمريكا ولا أي دولة أخرى، سوف تحارب معاركنا، أو تتولى هي الدفاع عن دولنا وحماية أمنها.

نقلا عن صحيفة الخليج البحرينية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى