- أهم الأخبارالأخبار

لماذا ستظل صورة آيلان راسخة في التاريخ؟

صدرت صحيفة “بيلد” الألمانية ليوم واحد بدون صور؛ لتدلو بدلوها في النقاش القائم حول صورة الطفل الغريق آيلان كردي. وبررت الصحيفة فعلها برغبتها في إظهار أهمية الصور في مجال الصحافة. فما الذي يميز صورة آيلان عن باقي الصور؟.

وعن هذه المبادرة الفريدة تقول هيئة تحرير الصحيفة: “إننا نرغب من خلال ذلك في إظهار مدى أهمية الصور في مجال الصحافة… يجب أن يرى العالم الحقيقة، حتى يتغير.”، بحسب تقرير لـ”دويتش فيلله” الألماني.

لكن الصور ليست كلها سواء. فهناك صور تبقى متوهجة في الذاكرة، وهناك صور أخرى قد تكون قاسية، لكن سرعان ما تختفي من الذاكرة بعد مرور وقت قليل. فما الذي يجعل من صورة أيقونة راسخة في الأذهان؟ وكيف تستطيع لقطة واحدة تخليد روح حقبة تاريخية معينة وتصوير علاقات معقدة فتظل راسخة للأبد؟

إلى أي فئة تنتمي صور آيلان كردي، الطفل السوري، البالغ من العمر ثلاث سنوات، الذي مات غريقا في البحر المتوسط، وتم العثور عليه يوم الثاني من سبتمبر على الساحل التركي قرب مدينة بودروم؟ صورآيلان أثارت تعاطفا كبيرا وردود فعل كثيرة في وسائل التواصل الاجتماعي. لكن الأهم من ذلك هي أنها غيرت النقاش السياسي حول سياسة اللاجئين في أوروبا بشكل جذري.

ليس كل صورة قاسية تصبح أيقونة

من جهته يؤمن مؤرخ الفن فيليكس هوفمان بقوة الصور، التي يمكنها، حسب رأيه “أن تؤثر وتغير الفكر والسلوكيات الإنسانية، لكن فقط بشرط أن تظل لوقت طويل وأن ترسخ في أذهان الناس.” ويقوم هوفمان منذ عدة سنوات بدراسات علمية حول تأثير التصوير. وأجرى في معرض “سي/ أُو برلين” للصور الفوتوغرافية أبحاثا على صور الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في11 سبتمبر 2001، بعد عشر سنوات من وقوع تلك الهجمات. وقام هوفمان بدراسة تأثير صور تلك الهجمات بحثا عن إجابة للسؤال التالي: لماذا بقيت بعض الصور راسخة في ذاكرتنا إلى الأبد؟

وجوابا على هذا السؤال يقول هوفمان في مقابلته مع DWبأن الصورة تمتلك القدرة على “أَنْسنة الكوارث”، ومنحها وجها وشكلا معينين، وبدون هذه الصور لن يستطيع الكثير من الناس استيعاب حجم وخطورة وأبعاد الحرب والكوارث. ويضيف المؤرخ الفني “صور الطفل آيلان كردي خير مثال على قوة الصور.. فهي تعبر عن مرحلة حاسمة جدا، تمر بها أوروبا في الوقت الراهن. لكن السؤال الآن هو، إلى متى ستظل هذه الصورة حاضرة في وسائل الإعلام”.

صور هزّت العالم

تعتبر هذه الصورة أيقونة التصوير الفوتوغرافي للحروب. بعد دقائق من إلقاء المقاتلات الأمريكية حمولتها من قنابل النابالم على فيتنام، تحاول الطفلة Phúc ذات التسعة أعوام، وهي مصابة بحروق شديدة، الفرار من الهجوم. هذه الصورة أثرت على النقاشات الداعية إلى وقف الحرب في فيتنام. الطفلة نجت من الموت وانتقلت لاحقا للعيش في كندا.

هوفمان، وهو أب أيضا، شعر بـ”صدمة عاطفية”، جراء تأثير صورة الطفل الغريق، مرميا على الشاطئ بالقرب من بودروم التركية. وبهذا فإن صورة تدفق اللاجئين التي نراها يوميا في وسائل الإعلام، أخذت طابعا شخصيا وأصبحت ملموسة عبر قصة واقعية مثيرة. وإضافة إلى ذلك فإن كثيراً من الناس يشعرون بالتعاطف ويقولون”يمكن أن يصيب ذلك أطفالنا أيضا.”

الصورة الفوتوغرافية أقوى تأثيرا من التلفزيون

المؤرخ الألماني يشير أيضا إلى العديد من المصورين، الذين كرسوا حياتهم في البحث عن “اللحظة الحاسمة”، مثل المصور الصحفي الفرنسي هنري كارتييه بريسون، الذي كان يحكي عن قصص من مناطق القتال باستخدام صور ظلت عالقة في التاريخ. لكن التغطية المباشرة، والعلاقة بين المتفرجين والصحفيين قد تغيرت، على حد تعبير هوفمان. وفي هذا الصدد يذكرنا هوفمان بدورة الألعاب الأولمبية الصيفية في ميونيخ عام 1972، التي خيمت على أجوائها أحداث احتجاز وقتل رياضيين إسرائيليين، كانوا مشاركين في تلك الألعاب.

ويضيف هوفمان في هذا الصدد: “للمرة الأولى في التاريخ، يتمكن المشاهدون من متابعة هجوم إرهابي في التلفزيون على الهواء مباشرة. أي يمكن القول أن الإرهاب اقتحم غرف جلوس الناس داخل بيوتهم.” ويرى فيليكس هوفمان أنه على الرغم من التغطية المباشرة للأحداث والتفاعل الدائم عبر الشبكات الاجتماعية، لا تزال الصورة أقوى وسيلة لنقل المأساة. لكن ذلك مرتبط أيضا بجودة الصورة، كما يؤكد هوفمان.

صور قليلة فقط تستطيع هز الرأي العام العالمي

صور الكوارث أو المآسي الإنسانية مثل اغتيال الرئيس الأمريكي جون اف كينيدي سنة 1963، أو صورة كيم فوك، الفتاة الفيتنامية العارية ذات التسع سنوات، التي فرت متأثرة بحروق شديدة على الجلد جراء الهجمات بقنابل النابالم في عام 1972. هذه الصور أصبحت بمثابة رموز تاريخية، على حد قول هوفمان، الذي يضيف: “لا يمكن للمرء التذكر بالضبط متى رأى هذه الصور، لكنها أصبحت جزءا من الذاكرة الجماعية المرئية،على الأقل في الغرب.”

علاوة على ذلك يشير هوفمان إلى أن ذلك له علاقة أيضا بكيفية التعامل مع التاريخ والصور بشكل عام، ويوضح: “يمكنك مشاهدة صور قوية في كل مكان. ليس فقط صورة الطفل آيلان كردي؛ لكن في نهاية المطاف يبقى ذلك قرارنا أن نشاهد صورة أو أن ننظر بعيدا ونغض الطرف عنها.”

ويختم المؤرخ الفني حديثه مع DW بالقول: “أحيانا لا ينشأ شعور التعاطف، إلا إذا ربطنا علاقة حب معينة مع صورة ما، حتى عندما يموت شخص. ففي ظل طوفان الصور، التي تعكس المعاناة والألم، سنتعاطف فقط مع تلك الصور، التي أثارت شفقة فينا، وخاصة لأنها تظهر حقيقة ما يحدث.”

أخبار ذات صلة

Back to top button