تعد نكبة فلسطين أكبر مأساة في تاريخ البشرية المعاصر، حيث تم اقتلاع شعب من أرضه ووطنه، ليحل محله شعب غريب الأطوار، معبأ بأوهام وأساطير، ومسنود من قبل قوى دولية مؤثرة.
وقد تم تسليم فلسطين لليهود كتابياً عبر وعد بلفور المشؤوم، وتم تنفيذ بنود المخطط من قبل المتآمرين، حتى أصدرت منظمة الأمم المتحدة عام 1947 القرار رقم 181، القاضي بتقسيم فلسطين إلى قسمين؛ قسم للفلسطينيين، وآخر لليهود.
وفور إعلان قيام دويلة «إسرائيل»، سارعت المنظمة الدولية المسؤولة عن حفظ الأمن وحماية حقوق الضعفاء، إلى الاعتراف بها ، ليصبح وجودها حقيقة واقعة. وقد تم تشريد مئات الآلاف من الشعب الفلسطيني من مدنهم وقراهم ومزارعهم؛ ليتحولوا إلى لاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والدول العربية المجاورة، حيث عاش هؤلاء المعذبون في مخيمات غير آدمية، ضيقة مساحتها، وذات كثافة سكانية مرتفعة، وتفتقد لأدنى حقوق الإنسان الآدمية.
وعلى الرغم مما تجرّعه الفلسطينيون من مرارات الألم الممضّ نتيجة ضياع الأرض، والدماء الطاهرة التي سالت عليها، إضافة إلى تآمر القوى الكبرى، إلا أن إرادة الشعب الفلسطيني كانت أقوى من إرادة المستبد، ومن يسانده. فقد صمد هذا الشعب وناضل كثيراً، من أجل استرداد حقوقه، وتحرير أرضه، وظل شوكة في حلق المحتل البغيض. ومن أجل ذر الرماد في العيون، وحفظ ماء الوجه، سعت الأمم المتحدة إلى إنشاء وكالة دولية متخصصة في إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين تدعى «الأونروا»، بموجب قرار الجمعية العامة رقم 302، وبدأت هذه الوكالة عملياتها في الأول من مايو عام 1950. وتقدم الأونروا اليوم خدماتها لنحو 4.7 مليون لاجئ فلسطيني، مسجلين لديها في الأردن ولبنان وسوريا، والضفة الغربية وقطاع غزة.
وعلى الرغم من مرور أكثر من ستة عقود على إنشائها، فقد عجزت الأمم المتحدة عن إلزام دولة الاحتلال بتنفيذ القرارات المتعددة، المتعلقة بعودة اللاجئين المنضويين تحت وصاية «الأونروا»، ليس هذا فحسب؛ بل يجري اليوم تقليص خدمات «الأونروا» على مستوى الأقاليم الخمسة، وآخرها تقليص الخدمات الصحية والتعليمية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، والتذرّع دائماً بعدم توفّر الميزانيات المطلوبة من الدول المانحة.
والواقع أن هذه الدول تتعرض لضغوط من قبل دولة الاحتلال، والقوى الدولية التي تدعمها، من أجل ثنيها عن الاستمرار في دعم «الأونروا»، بما يسهم في إضعاف الوكالة عن القيام بمهامها، من أجل إنهاء وجودها كوكالة مستقلة، ونقل مهامها إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التي تقدم خدماتها إلى جميع اللاجئين في العالم باستثناء الفلسطينيين.
وإذا حدث ذلك فسوف تُرفع قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين عن كاهل الأمم المتحدة، وسوف يُترك هؤلاء المشردون لمصيرهم في مناطق الشتات. ومؤخراً، صرح رئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو، في مستهل جلسة لمجلس الوزراء بأن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، تكرس قضية اللاجئين وحق العودة، من أجل القضاء على دويلته.
إن إنهاء وجود «الأونروا»، قبل أن يتم إيجاد حل دائم وعادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، سوف يمثل جرحاً نازفاً يُضاف إلى جراحهم المستمرة. وفي ظل الأزمات الكبيرة التي تمر بها دول عربية عديدة، وفي ظل استمرار النفوذ الغربي في العالم، وخاصة في المنظمات الدولية، فإن مأساة اللاجئين الفلسطينيين ستظل معلقة دون حل، ذلك أن «إسرائيل» لن تقبل بإعادة لاجئ واحد إلى ما تزعم أنه حقها التاريخي في فلسطينن.
إن على جامعة الدول العربية أن تأخذ زمام المبادرة، من أجل إيجاد آلية عربية لتوفير المال المطلوب لوكالة «الأونروا»؛ لسد الذرائع أمام المطالبين بإيقاف عملها بحجة نقص التمويل، فحياة ملايين الفلسطينيين المشردين من وطنهم أمام امتحان صعب، لا يحسدون عليه.
إن حياة هؤلاء اللاجئين اليوم تتوقف إلى حد كبير على خدمات «الأونروا»، ومن هنا فإن استمرار عمل هذه الوكالة الدولية، هو ضرورة ملحة في المرحلة الحالية من تاريخ الصراع مع «إسرائيل».
وحتماً لن يبقى هذا الصراع يميل لمصلحة المعتدي إلى الأبد؛ لأن القوى الغربية التي تدعمه تخضع اليوم لمعادلة الدوران التاريخي، وهي تعاني انهياراً اقتصادياً، لن تقوى معه على الاستمرار طويلاً. وعندما تنتهي قوة الغرب فإن «إسرائيل» ستذوب وتتلاشى من تلقاء ذاتها، وستنتهي معها المأساة الفلسطينية، وتعود فلسطين لشعبها، حرة كما كانت قبل وعد بلفور المشؤوم.