تحدثنا في مقال سابق عن زفة «القضاء على داعش» التي شارك فيها أركان النظام الإيراني، ومعهم بقية الأتباع والأذرع في المنطقة، وهنا في هذه السطور نتحدث عن زفة أخرى، لكنها تضم هذه المرة الكثير من المحللين الأجانب، إضافة إلى أركان النظام الإيراني وبقية الأتباع.
لسنا نبيع الوهم إذا قلنا إن الانتصارات المذكورة لا تستحق الاحتفاء إلا بمنطق تعويض بعض الخسائر، وهي تنبني على أوهام أكبر.
مشكلة إيران هي أن ما تحقق لها هنا وهناك، لا زال يغريها بمزيد من العدوان، من أجل مطاردة أمل كاذب بإنجاز مشروع التمدد والهيمنة، وإعادة النظر في حقائق التاريخ والجغرافيا في المنطقة، وصولا لاستعادة ثارات تاريخ قديم لا صلة له بالحاضر إلا في العقل المذهبي المريض.
من يحاول أن يتذكر حال إيران في 2010، مقارنة بالحال الآن، هو وحده من يمكن أن يتعامل مع كلامنا بهذا من دون القول إننا نبيع الوهم.
في 2010 كانت إيران تسيطر على العراق عمليا، وقبِل العرب السنّة الدخول في العملية السياسية مقرّين بزعامة الشيعة للدولة، والذين كان أكثرهم حينها موالين لإيران؛ بخاصة رئيس الوزراء حينها (المالكي).أما في سوريا فكانوا سادة البلد، وفي لبنان لم يكن الأمر مختلفا بعد اغتيالهم للحريري.
جاء ربيع الشعوب العربية، فوصفه خامنئي بأن صحوة إسلامية، وما إن وصل إلى سوريا حتى تحوّل في خطابه، وبقية الأتباع إلى «مؤامرة أمريكية صهيونية».
لم يحكّم خامنئي العقل، فدفع المالكي نحو مزيد من الإقصاء والطائفية، فاندلع الحريق في العراق من جديد، فدُمّر البلد واستنزفت ثرواته. وليس هذا كل شيء، فقد أدرك كثيرون في العراق تبعا لذلك أن البلد لن يعرف الاستقرار في ظل تبعيته لإيران، وما تأسيس الحشد إلا لتكرار تجربة حزب الله في لبنان، مع فارق الأقلية هناك، والنسبة الأكبر بكثير هنا.
اليوم هناك كثيرون في العراق يرفضون التبعية لإيران، والتحالفات الانتخابية الجديدة تشير إلى شيء من ذلك، ، فأين كان الحال في 2010، وأين صار الآن؟!
في سوريا تورّط الإيرانيون؛ ليس في نزيف كبير جدا أكل من ثروات شعبهم المتعب الكثير الكثير (شعارات الاحتجاجات الأخيرة تأكيد على ذلك)، بل في عداء واسع النطاق مع غالبية الأمة، حتى بالكاد صار بالإمكان إقناعهم بتقديم عداء المشروع الصهيوني على المشروع الإيراني. ومن يعادي غالبية الأمة لن يكسب بأي حال، ولو امتدت المعركة مئة عام.
كان بوسعهم أن يتصالحوا مع الشعب السوري بالوقوف على الحياد؛ لكنهم أشعلوا حريقا صبّ في صالح الصهاينة، وهم من عسكروا الثورة بقرار واضح لتسهيل اتهامها بالإرهاب، وحين فشلوا جاؤوا بروسيا. فهل ستعود سوريا بعدما جرى تابعة لإيران كما كانت من قبل؟ واهمٌ من يقول ذلك، وواهمٌ من لا يرى علاقة بوتين الحميمة بالكيان الصهيوني، وحساباته التي تختلف عن حسابات إيران، بخاصة فيما يتعلق بضرورة الإسراع بوقف الحرب. ولا تنس هنا وجود أمريكا العسكري، والذي جاء نتاج الحرب أيضا.
سوريا لن تستقر أبدا من دون حل يرضي غالبية الشعب، وفي زمن العنف الرخيص سيبقى النزيف متواصلا في ظل ثارات لا تنتهي، ولا تسأل قبل ذلك وبعده عن طول المعركة، ولا عن مشكلة الأكراد، ولا مطالب الصهاينة وغير ذلك، وفي المقدمة قصة الإعمار، ومن الذي سيدفع كلفتها؟!
الخلاصة أن انتصار إيران في المنطقة هو انتصار بطعم الهزائم والنزيف، وبطعم العداء مع غالبية الأمة، وهو لن يكتمل بأي حال، وجل ما سيفعله هو إطالة النزيف حتى يتجرّع خامنئي كأس السمّ، ويقبل بكلمة سواء تحفظ مصالح شعوب المنطقة بعيدا عن التدخلات الأجنبية، وبعيدا عن خدمة مصالح الصهاينة.