يبقى في البيت الأبيض سوى ترامب وعائلته. هذا الاستنتاج توصل إليه مايكل وولف في كتابه «نار وغضب» الذي شكك في صحة الرئيس العقلية، معتمداً في حكمه على مقابلات مع مسؤولين سابقين وحاليين في الإدارة، خصوصاً الذين رافقوا ترامب خلال حملته الانتخابية وكانوا من أركان حكمه قبل أن يطردهم أو أن يتخلوا عنه، مفضلين الابتعاد من مواجهة الطبقة السياسية التقليدية التي بدأت محاربة الرجل قبل وصوله إلى البيت الأبيض وفور تسلمه منصبه.
رد ترامب على اتهام وولف، فقال مؤكداً أنه «عبقري». لكن الاتهام والرد لا يستندان إلى أي دليل ملموس عدا الشهادات التي جمعها الكاتب وحجة الرئيس واستشهاده بنجاحاته في عالم المال والتجارة، وليس متوقعاً، حتى الآن، أن يطلب الكونغرس أو أي جهة أخرى مخولة إجراء فحص لـ «العبقرية».
واقع الأمر أن المسألة أبعد من القضايا الشخصية بين ترامب ومناهضيه هي تتعلق بالمجتمع الأميركي المنقسم على نفسه. مجتمع ما زالت تتحكم في مفاصله عقلية الرجل الأبيض المتفوق التي يمثلها ترامب، وثقافة «قتل الخصم» من دون حساب للعواقب، والسعي إلى الثراء بالاحتيال على القوانين والتهرب من الضرائب واتباع كل الوسائل لتحقيق «الحلم الأميركي». استطاع ترامب بخطابه الموجه إلى «الشعب»، فضلاً عن نظام الانتخابات، أن يصل إلى البيت الأبيض منافساً مرشحة الديموقراطيين هيلاري كلينتون في مواجهة أعتى حملة إعلامية شنت على مرشح أو رئيس سابق. هذا الإنجاز وحده يكفي ليقول عن نفسه أنه «عبقري». أما المآخذ على سياساته، منها على سبيل المثل قراراته المتعلقة بالمهاجرين، فما من رئيس سابق إلا وسعى إلى الحد من الهجرة. لكن ترامب كان الأكثر وضوحاً عندما اتخذ قراراً ببناء جدار على الحدود المكسيكية، طالباً من الكونغرس تشريع تمويله من أموال الضرائب، بعدما تعهد إجبار المكسيك على دفع الكلفة.
في السياسة الخارجية، لم يشذ الرئيس عن نهج أسلافه لكنه كان أكثر «وقاحة»، وفق ما قال مسؤول سابق في إدارته. حافظ على إرث أوباما (ليس الإرث الثقافي بطبيعة الحال) فاستمر في تعزيز الوجود الأميركي في الشرق الأقصى، في مواجهة مستمرة مع كوريا الشمالية، بالاعتماد على سيول وطوكيو، وبقية الحلفاء، متجنباً المواجهة العسكرية، على رغم تصعيده الكلامي، تماماً مثل أي رئيس سابق فلهذه المنطقة خصوصيتها نظراً إلى وجود الصين وما تمثله من ثقل عسكري واقتصادي.
أما بالنسبة إلى المسألة الفلسطينية فلم يتخذ أي قرار مخالف لتوجهات الديموقراطيين والجمهوريين، فتبني واشنطن إسرائيل عمره من عمر الدولة الصهيونية. وقرار الاعتراف بالقدس عاصمة لها ونقل السفارة إليها اتخذه الكونغرس قبل سنوات طويلة، وما فعله الرئيس ترامب كان تطبيقاً لهذا القرار الذي اتخذه المشرعون من دون حساب لردات الفعل العربية والفلسطينية. وكان في الوقت ذاته امتحاناً لدول المنطقة قبل إطلاقه «صفقة القرن» التي وعد بها. واكتشاف محمود عباس انحياز واشنطن إلى تل أبيب لم يأت متأخراً فحسب، بل جاء نكتة سمجة.
سيعاني الشرق الأوسط الكثير في عهد ترامب. وقد يكون استمرار الفوضى والحروب في المنطقة، اعتماداً على قواها الذاتية، ما يميز هذا العهد عن سواه. فجرأة الرئيس ليست موضع شك