سألني الصديق العربي المغترب في الولايات المتحدة، «داعش» يضرب يمنة ويسرة في هذا العالم، لكنه يستثني الأردن من قائمة استهدافاته، فما هو السبب (السر) يا ترى؟
أجبت، ولكن عامي 2016 – 2017 شهدا عدة عمليات إرهابية استهدف بها «داعش» الأردن، لكن من لطف الله ورعايته وجهوزية القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، ويقظة المواطن الأردن المدهشة، أخفق التنظيم الإرهابي الأكثر دموية، في إيقاع شديد الأذى بالأرواح والممتلكات، فبعض عملياته أحبطت في مهدها، وبعضها أُجهز عليه استباقياً، وبعضها وقع بالفعل، وظلت خسائره في أضيق نطاق.
اكتفى صديقي بضم شفتيه وهزّ رأسه للأعلى والأسفل عدة مرات، من دون أن يشف عن قبول أو رفض لما أدليت بها من توضيحات وشواهد من الأحداث الأخيرة التي ضربت بلدنا من الركبان إلى الكرك، مروراً بخلية إربد ومخابرات البقعة والموقر وغيرها من حوادث أمنية، قارفها التنظيم أو من هم «هائمون» في فلكه.
استحضر هذا المقطع القصير من حوار أطول وأوسع دار حول «الأردن والحرب على الإرهاب»، بمناسبة إعلانيين هامين صدرا عن دائرة المخابرة العامة ورئيس أركان القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي … في الأول، زفت لنا الدائرة نبأ إحباط مخطط إرهابي واسع النطاق، والقبض على جميع العناصر الإرهابية المتورطة فيه تجنيداً وتنظيماً وتمويلاً وتسليحاً وتحريضاً، مثل هذا المخطط، لو قدّر لها أن يرى النور – لا سمح الله – لربما كنا دفعنا أثماناً باهظة من حيوات أبنائنا وبناتنا وضيوفنا.
أما البشرى الثانية التي جاءت على لسان رئيس الأركان، فتتعلق بـ«تسوية الحساب» مع الذين ولغوا في الدم الأردني، وبالذات دماء شهيدنا العزيز الطيار معاذ الكساسبة وشهداء الركبان وغيرهم … حيث نجحت القوات المسلحة، وبجهد وكفاءة مقدرتين، في «تحييد» المتورطين بهذه الأعمال الإجرامية، في سلسلة من العمليات النوعية الخاصة، خلف خطوط العدو، وبصورة لا تدع مجالاً للشك، بأننا لا نترك رجالنا وراءنا، ولا ندع دماءهم الطاهرة الزكية، تتبدد هباء وتذروها الرياح الصفراء والسوداء التي تهب من أوكار هؤلاء وجحورهم.
يحق لنا أن نفخر بما ينجزه الرجال الرجال، في الجيش والأجهزة الأمنية، فلمثل هذه المهمات الجليلة، نُذر هؤلاء ونذروا أنفسهم … ولهذا السبب بالذات، أظهر الأردنيون التفافاً استثنائياً حول أجهزتهم العسكرية والأمنية، وأنفقوا عليها من جيوبهم وأموالهم وعرقهم، ولم يترددوا عن الالتحاق بخنادقها وصفوفها الأمامية، حين ينادي المنادي… الفضل لهؤلاء الذي وصلوا الليل بالنهار ليجعلوا من الأردن المستقر، استثناءً في محيطه المضطرب، فنحن مدينون لهم بما نحن فيه وما نحن عليه، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
«الحرب على الإرهاب»، هي حربنا، نقولها ونعيدها للمرة الألف، في وجه المشككين بسلامة الموقف الأردني المنخرط في مواجهة الظلامية التكفيرية الدامية … وإن كان الأردن طرفاً فاعلاً في الفريق الذي ألحق هزيمة نكراء بــ «دولة الخلافة ومؤسساتها» وأطاح بها كــ «تهديد استراتيجي خارجي»، فإن حربنا على الإرهاب، بما هو «تهديد أمني داخلي» ما زالت مستمرة، وليس متوقعاً لها أن تضع أوزارها قريباً … فكافة التقديرات تشير إلى أن خطر الإرهاب، «باقٍ» بوجود ألوف المنضوين في خلاياه النائمة وذئابه المنفردة في المنطقة ودول الجوار، وفي الداخل الأردني … وقد «يتمدد» إذا لم تنجح الدول والمجتمعات التي تحولت إلى ساحات وميادين مفتوحة لكل المنظمات الإرهابية، في القضاء على أسباب نشؤ الظاهرة وتفشيها وتحولها إلى تهديد كوني غير مسبوق.
الأنباء من سوريا والعراق، لا تدعو كثيراً على التفاؤل، برغم الإنجازات / الاختراقات المتحققة في ميدان استئصال «داعش» من الجغرافيا وتدمير مؤسساتها …لكن استئصال «داعش» من الديموغرافيا، ما زالت مهمة لم تكتمل بعد، فـ”المظلومية” التي وفرت حواضن شعبية واجتماعية لـ «داعش»، ما زالت مستمرة، وقد تتفاقم، وقد يتنامى الإحساس بالغبن والاستثناء، وقد تعود داعش ذاتها إلى العمل مجدداً، وقد تعود بأسماء ومسميات أخرى، إن لم نحدث القطع والقطيعة مع أسباب نشوئها وتفشيها.
ويُذكرنا «نصر المخابرات» في تفكيك خلية إرهابية خطرة، بما نحن مقصرون في فعله وإنجازه، أقله لجهة محاربة التطرف في مجتمعنا وتجفيف منابعه ومصادره … وكما قلنا من قبل، نعيد من بعد القول والتذكير: إذا كان المستوى العسكري والأمني في الدولة الأردنية، قد قام، وما يزال يقوم، بكل ما يتعين فعله ذوداً عن أمن الأردن واستقراره، فإن المستوى المدني والسياسي والثقافي والتربوي والإعلامي في الدولة والمجتمع الأردنيين، ما زل مقصراً في إنجاز «فروضه»، الأمر الذي يصعب المهمة على الأجهزة الأمنية، ويزيد من الأعباء الملقاة على عاتقها، ونجدها مناسبة للتذكير بأوجه التقصير في بلورة وإخراج وتنفيذ استراتيجية وطنية شاملة لمحاربة التطرف والغلو.