في الأيام الماضية، اهتم المحللون والمراقبون في العالم الذين يتابعون تطورات انتفاضة الشعب الإيراني بمحاولة تحليل ما يجري والوقوف على حقيقة هذه الانتفاضة. وكان الاهتمام منصبا في جانب أساسي منه على المقارنة بين الانتفاضة الحالية وبين انتفاضة عام 2009 التي عرفت بـ«الحركة الخضراء» في أعقاب تزوير انتخابات الرئاسة.
ويمكن القول إن هناك ست حقائق كبرى مرتبطة بالانتفاضة الحالية:
أولا: إن انتفاضة عام 2009 بدأت وتركزت في طهران أساسا، وإن كانت أعداد المتظاهرين أكبر بكثير من الانتفاضة الحالية.
غير أن انتفاضة اليوم بدأت من مدن خارج طهران، وخصوصا من مدينة مشهد، ثم امتدت إلى عشرات المدن والمناطق الإيرانية الأخرى.
أي أن الانتفاضة الحالية تعتبر أوسع نطاقا بكثير من الانتفاضة السابقة، وانضمت إليها محافظات الأقليات في إيران.
ثانيا: إن المطالب المطروحة في الانتفاضة الحالية، وأسباب الاحتجاج التي فجرتها، أوسع وأعمق بكثير من مطالب الانتفاضة السابقة.
في عام 2009 اندلعت الانتفاضة أساسا للاحتجاج على تزوير انتخابات الرئاسة لصالح أحمدي نجاد. ولهذا، كانت مطالب الانتفاضة تتركز أساسا على إعادة فرز الأصوات وتصحيح النتيجة.
أما الانتفاضة الحالية، فقد كانت أسباب الاحتجاج أبعد وأعمق وأشمل، فقد عبر المحتجون عن رفض مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد، والمطالبة بتغييرات جذرية شاملة وليس مجرد إصلاحات.
ثالثا: إنه لأول مرة في الانتفاضة الحالية يعبر الشعب الإيراني عن رفضه نظام الجمهورية الإسلامية برمته، والمطالبة برحيله.
لأول مرة، يمزق المتظاهرون صور المرشد خامنئي وغيره من قيادات نظام الملالي. ولأول مرة، يرفع الشعب الإيراني شعارات مثل «يسقط الدكتاتور» «ولا نريد جمهورية إسلامية».. وهكذا.
هذا يعتبر تحولا هائلا في الحياة السياسية في إيران.
رابعا: أيضا من أهم الحقائق المرتبطة بالانتفاضة الحالية، أن الشعب الإيراني عبَّر عن رفضه لمن يسمون بالإصلاحيين بنفس قدر رفضه لمن يسمون بالمحافظين أو المتشددين.
هذا أيضا تحول هائل في إيران. على امتداد السنوات الماضية، حين كان الإيرانيون يريدون الاحتجاج على سياسات النظام والمطالبة بالإصلاحات، كانوا يلتفون حول من يسمون الإصلاحيين.
وأن يتخلى الشعب عن هؤلاء معناه أن هناك وعيا شعبيا ترسخ بأنه لا أمل في إصلاح هذا النظام برمته، وأنه لا يوجد فرق بين إصلاحيين ومحافظين.
خامسا: إن الغالبية الساحقة من المحتجين المشاركين في الانتفاضة الحالية هم من الشباب الذين ولدوا بعد الثورة الإيرانية.
ويعني هذا بالطبع أن كل هذا الجيل من الشباب الإيرانيين يرفض نظام ولاية الفقيه ويتطلع إلى نظام سياسي مختلف.
وهذا مؤشر في غاية الأهمية، فهذا الجيل هو الذي سيرسم ملامح الحياة السياسية في إيران مستقبلا.
سادسا: إنه لأول مرة أيضا، يعبر الشعب الإيراني في هذه الانتفاضة عن رفضه المطلق تدخلات إيران في الخارج والدور الإرهابي الذي تلعبه في الدول العربية، وتبديد أموال الشعب في دعم وتمويل الجماعات والقوى الإرهابية.
هذا موقف له أهمية بالغة، فلن يعود بمقدور نظام الملالي بعد ذلك أن يتحجج بمصلحة الشعب الإيراني لتبرير جرائمه الإرهابية في المنطقة العربية.
إذا تأملنا هذه الحقائق مجتمعة المرتبطة بالانتفاضة الحالية للشعب الإيراني، فسوف نجد أننا أمام تحول كبير جدا تشهده إيران… أمام قطاعات شعبية واسعة لم تعد ترى لها خلاصا، ولا لبلادها مستقبلا في ظل نظام ولاية الفقيه الحالي.
ولهذا، فإن الوضع بعد هذه الانتفاضة لا يمكن أن يكون مثل ما قبله في إيران. نعني أنه حتى لو انتهت هذه الانتفاضة، فهي لن تكون نهاية المطاف في انتفاضات الشعب على هذا النظام. وفي كل الأحوال، سوف تقود الانتفاضة إلى تحولات جذرية في إيران، علينا أن نتابعها جيدا.