إذا جاز لنا أن نفتش عن نجم العام المنصرم بلا منازع، فلن نعثر سوى على شخص واحد، ملأ الدنيا وشغل الناس؛ ليس بوصفه رئيس أكبر دولة في العالم، بل بسبب طبيعته الشخصية التي لم يعرف لها تاريخ الولايات المتحدة مثيلا.
انتهى العام الماضي بمفاجأة فوزه في الانتخابات، خلافا لجميع التوقعات، وبقي نجم العام الجديد حتى نهايته، لا سيما حين ختمه بقراره الأرعن باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني، وهو القرار الذي لم تتوقف تداعياته إلى الآن، وقد لا تتوقف قريبا إذا أخذت القيادة الفلسطينية القرار الطبيعي المتوقع والضروري بدعم انتفاضة شاملة في كل الأرض الفلسطينية لإنهاء معادلة «سلطة بلا سلطة واحتلال بلا كلفة»؛ بحسب تعبير الرئيس الفلسطيني في قمة اسطنبول الأخيرة.
عاش العالم إثارة منقطعة النظير مع رئيس يخاطب الدنيا من خلال «تويتر»، وفي كثير من الأحيان لا تأبه له الدولة العميقة، بل يخالفه حتى الوزراء الذين عينهم شخصيا؛ في حالة فريدة لم تُعرف في تاريخ الولايات المتحدة.
طوال العام لم يتوقف الجدل حول مصير الرجل، وما إذا كانت الدولة العميقة ستتعايش معه حتى نهاية ولايته، أم ستجد طريقة للتخلص منه، ويبدو أن الاحتمال الأول هو الذي بات مرجحا، ما لم تحدث مفاجأة من العيار الثقيل؛ لكن عراك الرجل مع وسائل الإعلام والنخب الأمريكية لم يتوقف إلى الآن، في حين بقيت الحاضنة الشعبية التي أوصلته إلى السلطة متمسكة به على نحو ما، وإن تراجعت شعبيته على نحو غير مسبوق، ربما في تاريخ أسلافه، ولم يكن من الصعب القول إن القرار الأخير المتعلق بالقدس كان محاولة منه لاستعادة تلك الحاضنة المتمثلة في اليمين المسيحي الإنجيلي المسكون بأساطير «هرمجدون»، وعودة المسيح المخلص.
وإذا استثنينا قضية القدس، والعلاقة الحميمة مع الكيان الصهيوني، فإن السياسة الخارجية للولايات المتحدة لم تتغير عمليا، لا فيما خصّ منطقتنا، ولا بقية مناطق العالم، مع نجاحه في ابتزاز بعض العرب، الأمر الذي قد يتغير بدوره بعد أن يكتشفوا حقيقة أن بالإمكان التمرد عليه، فضلا عن بؤس نظرية مساعدته لهم ضد إيران.
وفي حين كبح أوباما مسيرة التدهور في مكانة الولايات المتحدة عالميا، من دون أن يوقفها، فقد جاءت رعونة هذا الرجل لتزيدها تسارعا، وها إن الصعود الروسي يبدو أكثر وضوحا خلال العام المنصرم، وبجانبه الصيني، وإن بقي الأخير على هدوئه وابتعاده عن الصدام؛ تنفيذا لخطة الصعود التدريجي التي سارت منذ عقدين ولغاية الآن.
كل ذلك لا يمثل شيئا سيئا بالنسبة لنا، بل إن قرار ترامب بشأن القدس لم يكن كذلك أيضا، إذ منحنا إلى حد كبير فرصة التخلص من حكاية «صفقة القرن» التي لوّح لها فيما خصّ القضية الفلسطينية، والتي كان بعض العرب يدعمونها، مع الأسف، مع ما تمثله من تصفية للقضية، وتهديد للأردن في آن.
مؤكد أن عام 2017 كان سيئا بامتياز؛ لكنه لم يكن سوى استمرار للأعوام السابقة من حيث تواصل الحريق الكبير في المنطقة، والذي أشعله خامنئي، بعد أن بدأته الثورة المضادة العربية، وجاءت الأزمة الخليجية لتزيده سوءا على سوء، ولا يُعرف ما إذا كان 2018 سيحمل انفراجة ما، أم سيتواصل الحريق مع ما يستتبعه من نزيف كبير لشعوب المنطقة. ربنا يستر.