هناك طبقة من الصحافيين المصريين حرمت، بسبب تكرسها لشؤون مصر، من الأفق العربي الذي تستحق. صلاح عيسى في الفنون والآداب الأخرى، كان يكفي أن تكون مصرياً، أو كان يتوجب أن تكون مصرياً، كما في السينما والغناء وحتى الشعر. أما في الصحافة، فقد فات العرب التعرف إلى كثير من الأقلام الكبيرة، التي لم يعنها الخروج من الفِناء المصري للانضمام إلى السرب الكبير الذي ملأ الأفق العربي طوال عقود.
صلاح عيسى، كان من هذه الفئة. بدأ حياته باحثاً في أوضاع الريف المصري ولم يعد يهون عليه الخروج من شكاوى مصر. حتى سخريته الحادة استخدمها في الضحك من مآسي المصريين. وبلغت المأساة المضحكة عنده ذروتها عندما أدخل السجن مرة فوجد نفسه إلى جانب سجانه السابق الوزير شمس بدران. ولم يحاول الشماتة به، بل عرض عليه أن يشاركه حصته من مياه الشرب.
كان صلاح عيسى من فئة اليسار العربي الصادق. أي المخدوع، الذي وقع ثمن الانتماء سجناً وعزلة. ولم يندم أو يتغير عندما تطلع حوله ورأى رفاق الأمس قد حولوا اليسار إلى استثمار مخزٍ ومربح.
غير أن صلاح عيسى حصل لقاء ذلك على هدية نادرة في هذه المهنة، من أهل اليمين واليسار معاً: الاحترام. ورغم الحروب الطاحنة التي تبادلها الفريقان عبر السنين، ظلت حصانته المهنية والشخصية، درعه وترسه. وإضافة إلى كتاباته الصحافية التي خاض فيها قضاياه، انصرف إلى كتابة التاريخ لإلقاء رؤية جديدة عليه، بادئاً بـ«الثورة العرابية». وقد غاب ومصر تضج بالتهكم على ذاكرتها من قبل الدكتور يوسف زيدان، الذي لم يرَ في الثورة العرابية إلا مسرحية دُمى، ولم يجد في صلاح الدين الأيوبي سوى «أحقر رجل في التاريخ» والآن بلغت به نظرته إلى التراث طرح الشكوك حول القدس، مما حمل السفارة الإسرائيلية في القاهرة على إصدار بيان خاص في مديحه.
لا شك أن نظريات زيدان تثير الضجيج المطلوب منها. ومنتقدوه في مصر يقولون إنه يحاول تقديم أوراق اعتماد إلى لجنة نوبل للآداب. وإذا كان ذلك صحيحاً، فإن كليهما على خطأ: هو ونقاده. لقد نال نجيب محفوظ نوبل لعظمته الأدبية. نالها مائة مرة بعد فوزه، إذ أصبحت رواياته في الغرب، مدرسة ولهفة. وإذا كان زيدان قد صدّق أن السياسة وراء جائزة محفوظ، فهذا يزيد شكوكنا في نظرته إلى صلاح الدين وعرابي والقدس.