نون والقلم

زياد الدريس يكتب.. اللغة العربية المتنازَع عليها

تكاثرت الأخبار المتداولة أخيراً عن إعلان الأكاديمية الفرنسية قرارها إجراء بعض التعديلات الإملائية والكتابية على اللغة الفرنسية، وعزَت ذلك إلى قلقها من انحسار الإقبال على تعلّم اللغة الفرنسية بسبب بعض التعقيدات (غير المبررة) فيها، وأنها تُجري هذه التعديلات من دون الإخلال بهيكلية اللغة أو بما قد يسبب قطيعة فهميّة مع النصوص الفرنسية الكلاسيكية، وخصوصاً بالطبع: أدبيات عصر الأنوار.

دور الأكاديمية الفرنسية العريقة لا يتوقف عند اتخاذ قرار التعديلات فقط، لكن أيضاً مقاومة التعديلات (التشويهات) التي قد تطال اللغة الفرنسية من لدن مؤسسات أو جهات غير مخولة العبث بلغة موليير.

هذه الصلاحية التي تملكها الأكاديمية الفرنسية في باريس حيال تطوير اللغة الفرنسية أو حمايتها، هي التي يلتزم بها الناطقون بالفرنسية في الجمهورية الأم (فرنسا) وفي بلجيكا وسويسرا والمستعمرات الفرنسية الراهنة أو السابقة في شمال القارة الأميركية وفي غرب العالم العربي والعمق الأفريقي، وعلى الجزر المتناثرة في المحيطات.

أفضل «عيب» في اللغة الفرنسية أن مرجعيتها دولة واحدة فقط في هذا العالم هي فرنسا، التي تعدّل وتضيف وتحذف وتنتصر وتدافع عن اللغة.

وأسوأ «ميزة» في اللغة العربية أن لديها اثنين وعشرين مرجعاً «دولة»، كلٌّ منها يدّعي أنه الأغير على لغة القرآن!

في المحافل الدولية، وعند الحديث عن اللغات الدولية الستّ، يُعدّد الفرنسيون الدول الكثيرة الناطقة بلغتهم ثم يذكرون دولة واحدة فقط مرجعية لها، وبالمثل يفعل الإسبان في تعداد الدول الناطقة بلغتهم، خصوصاً في أميركا الجنوبية، ثم يذكرون دولتهم مرجعاً، وكذلك يفعل الروس والصينيون، وإلى حد ما الإنكليز بعد أن تقاسمت معهم الولايات المتحدة الوصاية على اللغة الإنكليزية. أما العرب فيعدّدون الدول الناطقة بلغتهم، ثم يعدّدون بكثير من الزهو الدول (العربية) المرجعية للغة العربية!

تاريخياً، كانت الجزيرة العربية هي مرجع اللغة العربية ومقياسها، وهي التي وُلدت فيها (المعلقات) الشعرية التي ما زالت تُدَرَّس بوصفها المعيار الكلاسيكي للغة العربية، بعد القرآن الكريم.

الآن، ومع الوضع السياسي الحديث للعالم العربي تغيّرت الأوضاع والآليات، وأصبحت الدول العربية تتنافس على إنشاء مجامع للغة العربية في مصر وسوريا والعراق ولبنان والسودان وفلسطين والأردن وليبيا والجزائر وتونس والمغرب (لاحظ غياب دول الجزيرة العربية عن خارطة المجامع اللغوية!).

أحد عشر مجمعاً لغوياً عربياً للغة واحدة، لا يكادون يؤدون جزءاً من الخدمات الحِمائية والتطويرية التي تقدّمها الأكاديمية الفرنسية وحدها للغة الفرنسية.

التنافس والتضارب في المواقف والآراء هو ديدن هذه المجامع اللغوية المتناثرة، كما أن التعويل على الوكالات الإقليمية المختصة التابعة لجامعة الدول العربية لم يعد ممكناً، فما المخرج أو المدخل لإنشاء منظمة مرجعية واحدة للغة العربية يتم التوافق عليها عربياً، مع التمثيل المتنوّع لأعضائها؟

أليس من الأولى تفويض المملكة العربية السعودية (أرض الجزيرة العربية) مهبط الوحي وموطن المعلّقات السبع، احتضانَ منظمة إقليمية تكون مرجع اللغة العربية في العالم كله؟ الخطوة الأولى لتطوير اللغة العربية، وليس لحمايتها فقط، هو أن يكون لها «وليّ أمر» مسؤول عن حمايتها وتغذيتها، لا أولياء أمور متعددين تصبح اللغة العربية كاليتيم بينهم!

 

نقلا عن الحياة اللندنية

أخبار ذات صلة

Check Also
Close
Back to top button