نون والقلم

هاني المصري يكتب.. مرة أخرى … ما العمل بعد قرار ترامب ؟

ما العمل بعد قرار الجمعية العامة الذي استعادت فيه القضية الفلسطينية أَلَقَهَا، بما مثله من فشل أميركي إسرائيلي باستقطاب تأييد دولة واحدة ذات شأن رغم البلطجة والتهديدات بقطع المساعدات والتدخل الشخصي لدونالد ترامب ؟

هل ستنتهي ردة الفعل كسابقاتها كما يقول الأميركيون والإسرائيليون، مثلما حصل بعد ضم القدس والجولان واغتيال ياسر عرفات، إذ توقفت ردات الفعل وتكرست الحقائق الجديدة؟

هل يكفي الانضمام إلى المزيد من المؤسسات والاتفاقيات الدولية، والاكتفاء بإعلان أن الإدارة الأميركية لم تعد وسيطًا على أهميته – رغم تأخره كثيرًا – والبحث عن راعٍ أو رعاة جدد والبقاء تحت براثن عملية السلام التي أوصلتنا إلى الكارثة التي نحن فيها؟

هل تكفي دعوة المجلس المركزي للانعقاد بمشاركة حركتي حماس والجهاد من دون توجيه دعوة رسمية، ولا تحديد موعد محدد حتى كتابة هذه السطور، ومع حقيقة أن المصالحة تترنح؟

لماذا لا تتم دعوة القيادة بمختلف ألوانها إلى الاجتماع فورًا في القاهرة؟

هل تكفي الخطوات المتخذة وتلك الجاري التفكير في اتخاذها، أم لا بد من الانضمام إلى مؤسسات دولية سبق أن حذرت واشنطن من الانضمام إليها، وإحالة جرائم الاحتلال، خصوصًا ضد قطاع غزة، وبما فيها جرائم الاستيطان، إلى محكمة الجنايات، وتفعيل الفتوى القانونية لمحكمة لاهاي، ولكل القرارات، والدعوة في وقت ليس ببعيد إلى سحب سفرائها ومقاطعتها ما لم تتراجع عن الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، على أن يُتخذ الموقف نفسه أولًا من إسرائيل، الدولة الاستعمارية المحتلة، والعمل على عزلها ومقاطعتها وفرض العقوبات عليها؟

هل المعركة الرئيسيّة الاعتراف بالدولة، والتوجه إلى المؤسسات الدولية للحصول على قرارات جديدة، والمطالبة بتفعيل القرارات القديمة، والانضمام إلى منظمات واتفاقيات جديدة، أم أنها يجب أن تخاض أساسًا في أرض الصراع، حيث يحسم الأمر من خلال تواصل مصادرة الأرض واستعمارها واستيطانها، وتهويد القدس وأسرلتها وبقية الأراضي المحتلة، وطرد سكانها وقتلهم واعتقالهم وهدم منازلهم، وفرض مختلف أنواع العنصرية عليهم، وما يقتضيه ذلك من ضرورة تعزيز عوامل الصمود والتواجد البشري الفلسطيني على أرض فلسطين، والتركيز على إنهاء الاحتلال والمقاومة بوتائر وأشكال محسوبة، واستعادة عناصر القوة المتمثّلة بإعادة الاعتبار للقضية بوصفها قضية تحرر وطني وللبرنامج الوطني، وإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية عبر إعادة بناء المؤسسة الوطنية الجامعة والقيادة الواحدة، بما يسمح بمقاومة فاعلة قادرة على التحول في الوقت المناسب إلى انتفاضة عارمة قادرة على إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة على أرض فلسطين وتحقيق بقية الحقوق؟

وهنا يبرز سؤال: منْ يسبق منْ، الوحدة أم الميدان؟ وهل الوحدة فوقية أم تفرض من تحت من الشعب؟ والجواب في ظل المواجهة المشتركة التي يقف فيها الجميع تقريبًا، يجب ألا نعطي الأولوية للصراع الداخلي بحيث لا يتعارض النضال في الميدان مع النضال السياسي والجماهيري لتحقيق الوحدة، ولا النضال من فوق لتحقيقها مع النضال من تحت الذي لا بد أن يتعاظم ما دامت القيادات وأصحاب المصالح لم تحقق الوحدة ويبدو أنها لن تحققها.

ربما نكون بحاجة إلى وقت لتوفير متطلبات الاستعداد للمواجهة الآتية الشاملة والحاسمة المفروضة التي لا يمكن تجنبها إذا أردنا أن تبقى القضية حية وتنتصر، مع أهمية الحفاظ على وتيرة متصاعدة للمواجهة، فإذا لم تتواصل المواجهة فالآتي، أميركيًا وإسرائيليًا، أعظم.

هل تكفي الهبة الشعبية بالمعدلات الراهنة من دون قيادة موحدة عامة وميدانية تقود وتنظم وتجدول الفعاليات والمهمات على اختلاف أنواعها ووفق أولوياتها، أم أن الحاجة باتت واضحة إلى أكثر من هبة، إلى موجة انتفاضية، أو حتى انتفاضة شاملة، أم أن هذا متعذر حاليًا، وإذا كان ذلك كذلك ما متطلبات ومراحل اندلاع الانتفاضة، وما هو المطلوب عمله حتى تندلع وتنتصر ولا تضيع تضحياتها عبثًا، ولكي لا تتحول إلى فوضى وفلتان أمني وتعددية في السلطات ومراكز القرار؟

أم أن الأفضل أن تستمر الحالة بشكل الموجات الانتفاضية، كما حصل خلال السنوات الأخيرة، بما يتناسب مع طبيعة الصراع وخصائصه، وأنه صراع طويل لن ينتهي بانتفاضة واحدة ولا خلال سنة واحدة، بل بحاجة إلى خوض معارك متلاحقة تبقي الحياة مستمرة بالتوازي معها، وتتركز كل واحدة ولا تنحصر على قضية بعينها؛ ليتم إنجازها والانتقال إلى قضايا أخرى، وهكذا دواليك إلى أن تنضج شروط اندلاع الانتفاضة الشاملة؟

الوحدة الوطنية أولوية ومسألة حياة وموت، ولا يجب الاستمرار بالتعامل معها كما يجري حتى الآن. وإذا سلمنا جدلًا بأن تمكين الحكومة في قطاع غزة كان الطريق الصحيح للمصالحة قبل القرار الأميركي، وهو ليس كذلك كما تدل النتائج، فمن المؤكد أنه ليس ملائمًا الآن بعد ما كشفه قرار ترامب من توجه علني أميركي كان مضمرًا في السابق لتصفية القضية الفلسطينية تصفية كاملة من مختلف أبعادها. أما الإجراءات العقابية على القطاع غزة فهي عقاب جماعي، ويجب أن ترفع فورًا، على أن يقوم كل مكلف بتسديد ما يترتب عليه لاحقًا من فواتير ماء وكهرباء، وأما الديون فيتم الاتفاق على كيفية تسديدها.

إن امتزاج الدم الذي ينزف من الشهداء والجرحى على خطوط المواجهة في الأراضي المحتلة، ومعاناة الأسرى والمعتقلين الذين يتزايدون يوميًا وترديد نفس الهتافات في مختلف المظاهرات داخل الوطن وعلى امتداد الكرة الأرضيّة، بما يؤكد وحدة الشعب والقيادة والميدان؛ يجعل المصالحة أمرًا مستعجلًا لا يحتمل التأجيل، ويتطلب تحرك الشعب وبلورة تيار وطني واسع ثالث لفرض الوحدة على طرفي الانقسام على قاعدة التصدي للخطر الداهم والمتعاظم.

لا يعقل الآن بعد القرار الأميركي، وما يشير إليه، وما يمكن أن يحصل بعده، إذا لم يكسر، من عدوان واستيطان وعنصرية أكبر من السابق، الاستمرار برفض تشكيل حكومة وحدة أو وفاق وطني حقيقية، انصياعًا لشروط الرباعية، ومن أجل عدم ضياع فرصة السلام. فالمساعدات الأميركية للسلطة اتُخذ قرار بوقفها، وتنفيذه يتوقف على مدى استمرار القيادة بموقفها وإجراءاتها لكسر القرار الأميركي، أم تتراجع وتقبل استئناف نشاط الوسيط الأميركي الذي لم يكن يومًا لا وسيطًا ولا نزيهًا. كما لم تعد هناك فرصة للسلام، بل هناك صراع مفتوح يجب الاستعداد له على أساس رفض قبول الحل الأميركي الإسرائيلي أو التعايش معه.

وحتى تتحقق الوحدة المنتظرة، قلنا ونكرر القول، لا بد من بلورة رؤية جديدة، وتوفر الإرادة اللازمة، ووضع البرنامج والخطط المناسبة، على أساس استكمال “حماس” إنهاء حكمها المنفرد للقطاع، وفرض حكومة الوحدة أو الوفاق سيطرتها الكاملة هناك، مقابل شراكة كاملة. فحماس ليست بذلك الغباء أو الضعف لتتخلى كليًا عن السيطرة على القطاع، حتى لو قال بعض قادتها ذلك مقابل سمك بالماء، أي مقابل وعود بالشراكة من دون رصيد.

كما أنه لا بد من الاتفاق على عدد من الأمور:

-الاتفاق على رزمة شاملة تطبق بالتوازي، يعرف فيها كل طرف ما له وما عليه، وبضمانات فلسطينية ومصرية وعربية لتطبيقها ضمن جدول زمني تفصيلي يحدد بدقة.

-الاتفاق على الأهداف الوطنية في هذه المرحلة، وكيف يمكن تحقيقها: هل بالمقاومة المسلحة أو السلمية أو بالجمع ما بينهما، أو بالتركيز على السلمية كأسلوب رئيسي، دون رفض كلي أو إدانة للمقاومة المسلحة، التي يجب الاحتفاظ بالحق المشروع لاستخدامها للدفاع عن النفس والشعب ولتحقيق الأهداف الوطنية، وما الخطوط الحمر، وما الذي يمكن التفاوض حوله والممنوع من التفاوض حوله، ومتى يكون التفاوض مشروعًا أو خاطئًا تمامًا؟

-الاتفاق على موعد عقد المجلس الوطني وكيفية ومتطلبات عقده، وعدد أعضائه وكيفية اختيارهم، وكيفية تمثيله لمختلف التجمعات الفلسطينية، وكيف ستشارك “حماس” و”الجهاد” وعلى أساس أي برنامج وطني وأي نظام للانتخابات التي يجب أن تجرى حيثما يمكن ذلك؟

-الاتفاق على تنظيم وإدارة سلاح المقاومة، على أن يكون ضمن إستراتيجية متفق عليها وخاضعًا لمؤسسات الإجماع الوطني، التي وحدها تقرر متى وكيف سيتم إستخدامه، على أن يتم فصله عن سلاح الشرطة والأمن الداخلي، وضمان عدم تدخله لحسم الخلافات الداخلية.

الاتفاق على إعادة بناء الأجهزة الأمنية وهيكلتها وإصلاحها وتوحيدها على أسس وطنية مهنية، بعيدًا عن الحزبية، وكيف ومتى وعلى أي أسس ومعايير سيتم إعادة هيكلة ودمج الهيكل الوظيفي للسلطة.

-الاتفاق على تغير شكل السلطة لتجسد الدولة على الأرض، وما يعنيه ذلك من تحرر كامل من التزامات اتفاق أوسلو والتركيز على إنهاء الاحتلال، من خلال نقل المهمات السياسية للمنظمة ما دامت الدولة محتلة، والاتفاق على كيفية توزيع قيادات ودوائر المنظمة داخل فلسطين وخارجها حتى لا تكون تحت رحمة الاحتلال كليًا.

 

نقلا عن القدس

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى