قد لا تكون تلك الرائحة التي اعتدنا عليها موجودة هذه المرة، ولكن عبق التاريخ يبقى حاضراً، 47 عاماً من المشاعر والعواطف غلفت دورات كأس الخليج، يوم سبحت تلك البطولة في بحرين من المحبة والإخاء، متنافسة فرقها على إثبات الذات مع انطلاقة رحلتنا المبهرة نحو التنمية والانتقال إلى مرحلة جديدة من تاريخ هذه المنطقة.
تنافسنا وتجادلنا، وتشاجرنا، فقط داخل ذلك المستطيل الأخضر، ولم ينعكس ما حدث في الملاعب على ما تحمل القلوب، لأن القلوب كانت مفعمة بالأمل، متطلعة نحو المستقبل، ولا تتوقف كثيراً عند الضغائن، وكان الخاسر يبارك للفائز، وكان الأخير في الترتيب يقف في أول صف عند التكريم، وكان الجميع يطور في نفسه حتى أصبح الأخير بطلاً متوجاً في لاحق الأيام، لقد كنا نحب بعضنا بعضاً، ولا نتجاوز الرياضة ومفاهيمها، ولا نسمح لسوء النية بالتغلغل بيننا.
هذه الدورة تختلف عن كل الدورات، الظروف المحيطة لا يمكن تجاوزها، فنحن لن نضحك على أنفسنا، لهذا نرى العيون شاخصة، والقلوب راجفة، والعقول متحفزة، نريد شيئاً يذكرنا بأنفسنا، ولا نريد واقعاً ينغص علينا فرحتنا، ومن اتخذوا قرار المشاركة في هذه الدورة دون شروط تجاه «طرف عاق» أرادوا أن تنجح المبادرة الرياضية الأكثر شعبية في إعادة شيء من الأمل، تحت عنوان الاحتفال بعودة الكويت إلى دورها الرائد في المشاركات الدولية والإقليمية بعد قرار جائر بتجميد أنشطتها بفعل «ابن عاق»، وقبول دعوتها العاجلة بإقامة الدورة على أرضها لتعلن تلك العودة المباركة، ولم يتحجج أحد بضيق الوقت وعدم الاستعداد، فالذين تجاوزوا الأزمات لم يذهبوا للكويت من أجل بطولة أو كأس، بل إنهم هناك اليوم لإعادة كتابة المبدأ الأول للعلاقة القائمة بين دول الخليج العربي، والذي يُفترض أن يكون سائداً، فنحن، وإن تنافسنا في ملعب كرة قدم، نركب قارباً واحداً، وعلينا أن نأخذ هذا القارب إلى بر الأمان، معاً كما كنا دوماً، وسنكون بإذن الله، فهذا مصيرنا.
وبعيداً عن الكلام الجاف الذي «صدعت» رؤوسكم به، دعونا نعود إلى روح دورة كأس الخليج برائحتها وطعمها، ونبارك لمنتخبنا فوزه في مباراته الأولى، وكذلك نبارك لمنتخب السعودية الفوز في مباراة الافتتاح، ونبارك للكويت التنظيم.