نون والقلم

ماهر أبو طير يكتب: محنة القدس

لا أحد ينتقص كل ردود الفعل الغاضبة بخصوص اعتراف واشنطن، بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولا أحد يشكك في نوايا الغاضبين، ولا يطعن في صدقيتهم ولا في طهرهم.

 

لكن المفارقة هنا، أن الناس بحاجة الى صاعق كهربائي، كما اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لاسرائيل، حتى تتبدد الغفلة، وهي الغفلة التي لا تجعلهم يرون ماذا يجري في المدينة المحتلة منذ عام 1948، وتجعل بعضنا يصحو فقط، بعد خطاب ترمب، وكأن كل شيء قبل ذلك، كان على خير ما يرام لولا هذا الخطاب.

 

اليكم هذا النموذج الذي حدث فقط البارحة، اسرائيل تعلن عن افتتاح كنيس يهودي، تحت المسجد الاقصى، وتضع فيه كل ما يمكن ان تعتبره دليلا على ان هذه المنطقة يهودية، وهذا الافتتاح في منطقة انفاق حائط البراق او الحائط الغربي للاقصى، لم يجر في يوم وليلة، بل قبله اعمال حفريات طوال عقود تحت الحرم القدسي، واقامة صلوات في هذه الانفاق، ودخول يهود للعبادة، وغير ذلك من ممارسات، بما في ذلك اقتحامات اسرائيلية يومية، مستمرة، على مدى عقود.

 

لماذا يكون الغضب هو الثمن الوحيد الذي بإمكان الانسان العربي والمسلم تقديمه، ازاء قضية مثل المسجد الاقصى، وهل هذا الغضب له قيمة في ميزان اسرائيل او الولايات المتحدة، والكل يعرف ان هذا الغضب مجرد انفعال ساعة، وبعد ذلك ينفض السامر، وكأن شيئا لم يحدث، ونحن هنا، لا ندعو الى وقف الغضب، او الانتقاص من قيمته، او بث اليأس في نفوس الناس، لكننا نسأل عن القدرة على التغيير، وقد خبر العالم ان كل قصصنا تنتهي بعد مئات المظاهرات.

 

اين كنا جميعا، عند عقود التهويد التي مارستها اسرائيل ضد المدنية، حتى المقابر الاسلامية تم تجريفها، والاعتداء على قبور الصحابة، وازالتها، اين كنا عند اقامة كل هذه المستوطنات في القدس، واقامة الكنس في البلدة القديمة، اين كنا عند سرقة الارض وتهجير الناس، ومحاولة أسرلتهم بمنحهم جوازات سفر اسرائيلية في القدس، اين كنا عند الاذلال المالي والاقتصادي والغرامات والضرائب؟!!.

 

بإمكاننا ان نعدد مئات الممارسات الاسرائيلية بحق القدس، وطمس هويتها، وتغيير هذه الهوية الدينية والاجتماعية على مدى عقود، وهي ممارسات لم تحظ الا بالشجب والاستنكار، وهي اخطر بكثير من اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لاسرائيل، والسبب بسيط، ان اعترافه لا يغير من واقع الاحتلال عند اهل فلسطين والمنطقة، فيما التغييرات العملية، لتهويد المدينة هي الاخطر، لانها اجراءات فعلية قائمة على ارض الواقع، تؤدي الى طمس المدينة ووجهها وهويتها.

 

يقال هذا الكلام مجددا، حتى لا نبقى في دائرة الفعل نفسها التي سبق اختبارها على مدى عقود، فمثل هؤلاء لا يعرفون الا لغة محددة، لغة الردع بالفعل، اما لغة الكلام، فلا تحرر وطنا، ولا تقف عندها اسرائيل التي اغرقناها ببحار من الشتائم والتهديدات طوال عقود، فيما واصلوا هم بناء المستوطنات ومصادرة الارض، تاركين لنا حرية التعبير عن الرأي.

نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية

أخبار ذات صلة

Back to top button