ربما تكون هذه آخر مرة يلتقى فيها «بوتين» بشار الأسد كرئيس.. فيبدو أن «بشار» على وشك أن يعلن تنحيه عن السلطة وتكليف نائبه فاروق الشرع بإدارة شؤون البلاد.. وربما يقدم خطبة عصماء، ويقول إنه حافظ على وحدة الأراضى السورية، وطهرها من داعش.. وكلام من هذا القبيل.. وكان بوتين قد التقى بشار قبل زيارة مصر.. وأظن أن ترتيبات تمت بهذا الشأن توفر له «الخروج الآمن»!
وقد اخترت أن يكون عنوان المقال «مأمورية بوتين»، وليس قمة سورية روسية.. فهى لم تكن قمة، وإن جلس بوتين وبشار فى مواجهة بعضهما على مائدة المباحثات.. فقد كان بشار مهزوزاً ومرتبكاً.. وكان يتلفت حوله.. ثم رأيناه بعد الوداع يقف وحيداً، يعطيه بوتين ظهره ليلقى الأوامر إلى القادة العسكريين، ثم يستقل الطائرة.. وبعدها قال فاروق الشرع للإعلام انتظروا كلاماً مهماً من الرئيس بشار!
وحتى كتابة هذه السطور، لم يُلق بشار خطابه التاريخى ويودع قصر الحكم فى دمشق.. لكنه سوف يفعل لتبدأ مرحلة انتقالية بقيادة الشرع، باعتباره مدنياً لم يتورط فى أعمال عنف، كما قيل.. لكن الأهم أنه اتفاق روسى إيرانى تركى.. وتفهم منه أن بشار آمن لن يخضع لأى محاكمة.. وأنه فى حماية بوتين.. وقد كانت اللحظات التى رأيت فيها بشار كاشفة، فقد كان تائهاً زائغ البصر لا يدرى «نهايته»!
إذن سيمضى «بشار» بلا عودة، ومن المؤكد أن هناك تفاهمات مصرية بهذا الشأن.. ومن المؤكد أن مصر لم يكن يهمها بشار بقدر ما كان يهمها سوريا.. وأظن أن مباحثات بوتين والسيسى تناولت هذا الملف، قبل أن توقع عقد الضبعة واستئناف عودة السياحة الروسية، وقبل أن يكون الهدف هو توقيع بعض مذكرات التفاهم.. كانت قمة سريعة أو مأمورية خاطفة، لها مهام واضحة ومحددة للغاية!
ولو راجعت نشرات الأخبار أمس الأول «الاثنين» سوف تعرف ترتيب الأولويات بعد قمة السيسى- محمود عباس.. كانت هناك قمتان فى اليوم نفسه، لكن بقيت القمة المصرية- الفلسطينية أولوية أولى، لأنها ترتبط بالقدس.. ويبدو أن قضية القدس «فرضت نفسها» على كل من بوتين وعباس، وهذا صحيح، إلا أن الاهتمام الأكبر كان مع عباس.. أما اهتمام بوتين فكان أكثر بملف سوريا، وكان لكل «أولوياته»!
والحقيقة، لم أكن متحمساً لزيارة بوتين، كما تحمست له أول مرة.. كتبت فى «الوفد» أنه تحول من «قيصر» إلى «سمسار».. وقلت هذه المرة لا مواكب ولا خيول عربية ولا قصر القبة.. وكانت مجرد تخمينات.. وبالفعل، وصل قصر الاتحادية وبقى ساعات، ووقع اتفاقية الضبعة.. لكنه وعد بعودة الطيران والسياحة فى «فبراير».. بعد أن ضيّع علينا احتفالات الكريسماس، وسيبك من الكلام الرسمى!
والفارق كبير طبعاً بين القمة والمأمورية.. صحيح القمة حدثت هنا وهناك.. لكنها بطعم المأمورية.. أنجز فيها بوتين مهمة كبرى.. تم الاتفاق على خطوات محددة.. يسلم «بشار» السلطة، ويتولى الشرع، وتنتهى الأزمة بتسوية سياسية كما تمسكت مصر.. ولكن فى مصر «خطف» الضبعة، و«أجّل» السياحة لما بعد الموسم!.