قد يستغرب بعض القراء من هذه الحقيقة التي لم يعلموا بها وهي إن القدس مباعة منذ قرون على المحتلين وقد يكون الإستغراب أكثر عندما يعلم القارئ إن من باع القدس هم حكام وسلاطين الدولة الصلاحية الأيوبية العادلة ، فقد سلموها لحكام الفرنج من أجل ضمان بقاءهم في السلطة والحكم وحتى لا يصل لهم سيف الإحتلال ، وهذه حقيقة وليس تدليساً لأن من كتب هذه الواقعة هو ابن الأثير في كتاب « الكامل في التاريخ » حيث جاء في هذا الكتاب في الجزء العاشر الصفحة أربعمائة وأربعة وثلاثون {{ ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ [ذِكْرُ تَسْلِيمِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ إِلَى الْفِرِنْجِ] فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَوَّلَ رَبِيعٍ الْآخِرِ، تَسَلَّمَ الْفِرِنْجُ -لَعَنَهُمُ اللَّهُ- الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ صُلْحًا، وَسَبَبُ ذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَاهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ (625هـ) مِنْ خُرُوجِ الْأَنْبرورِ، مَلِكِ الْفِرِنْجِ فِي الْبَحْرِ مِنْ دَاخِلِ بِلَادِ الْفِرِنْجِ إِلَى سَاحِلِ الشَّامِ، وَكَانَتْ عَسَاكِرُهُ قَدْ سَبَقَتْهُ، وَنَزَلُوا بِالسَّاحِلِ، وَأَفْسَدُوا فِيمَا يُجَاوِرُهُمْ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ. وَمَضَى إِلَيْهِمْ (الى الفِرِنج)،وَهُمْ بِمَدِينَةِ صُورٍ، طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْكُنُونَ الْجِبَالَ الْمُجَاوِرَةَ لِمَدِينَةِ صُورٍ وَأَطَاعُوهُمْ، وَصَارُوا مَعَهُمْ (مع الفِرِنج). وَقَوِيَ طَمَعُ الْفِرِنْجِ بِمَوْتِ الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ عِيسَى ابْنِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، صَاحِبِ دِمَشْقَ.. فَسَارَ (الأشرف) إِلَى دِمَشْقَ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ الْمَلِكِ الْكَامِلِ فِي الصُّلْحِ، فَاصْطَلَحَا وَاتَّفَقَا، وَسَارَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ إِلَى الْمَلِكِ الْكَامِلِ وَاجْتَمَعَ بِهِ. فَلَمَّا اجْتَمَعَا، تَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَنْبرورِ مَلِكِ الْفِرِنْجِ دَفَعَاتٍ كَثِيرَةً، فَاسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمُوا إِلَيْهِ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ وَمَعَهُ مَوَاضِعُ يَسِيرَةٌ مِنْ بِلَادِهِ، وَيَكُونُ بَاقِي الْبِلَادِ مِثْلُ الْخَلِيلِ، وَنَابُلُسِ، وَالْغَوْرِ، وَمَلَطْيَة، وَغَيْرُ ذَلِكَ بِيَدِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَا يُسَلَّمُ إِلَى الْفِرِنْجِ إِلَّا الْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي اسْتَقَرَّتْ مَعَهُ. وَكَانَ سُورُ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ خَرَابًا [قَدْ] خَرَّبَهُ الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ، وَقَدْ [ذَكَرْنَا] ذَلِكَ. وَتَسَلَّمَ الْفِرِنْجُ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ، وَاسْتَعْظَمَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ وَأَكْبَرُوهُ، وَوَجَدُوا لَهُ مِنَ الْوَهْنِ وَالتَّأَلُّمِ مَا لَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ…}}…
وقد علق المرجع المحقق الصرخي على هذا المورد من كتاب الكامل في المحاضرة الخامسة والثلاثون من بحث « وقفات مع توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري » حيث قال ((خيانة عظمى وجريمة كبرى!!! بل مِن أكبر الجرائم والخيانات يرتكبها أبناء الملك العادل!!! وقد قُطِعَ لسان ابن تيمية هنا وبلعه حتى مِن دون أن يشرب الماء بعده!!! فلم تصدر منه أيَّةُ خزعبلة مِن خزعبلاته التدليسيّة الافترائيّة الكاذبة الفاحشة في تعليق فشله وهزيمته وخيانته وانحرافه وضلالته على الآخرين كعناوين ابن سبأ وسبئيَّة وابن علقمي وعلقميّة ومجوس وشيعة وروافض!!! ))…
لذلك فإن قرار أميركا بإعتبار القدس عاصمة إسرائيل هو قرار ليس جديداً بل له جذور تاريخية وقد وافق حكام الدول العربية وخصوصاً الخليجية على هذا القرار لأنهم يرون هذا الفعل فيه شرعية وقد استنوا ذلك من سيرة سلاطين الدولة الأيوبية التي طالما مجد بها أئمة وشيوخ التيمية.