أثار اعتزام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس استياء الشعوب العربية و الإسلامية على مستوى العالم كما أثار حفيظة الزعماء و الملوك العرب وخاصة من يتمتعون بعلاقات صداقة مع أمريكا رافضين بشدة نقل السفارة إلى القدس مؤكدين أن هذا القرار الخاطئ سوف يستفز مشاعر المسلمين في بقاع الأرض ويستثير غضبهم تجاه حماية القدس التى تمثل قيمة إسلامية كبيرة كونها تضم أولى القبلتين وثالث الحرمين، إضافة إلى كونها أرض عربية يجب الحفاظ عليها والإقتتال من أجلها حماية لترابها ومقدساتها ونصرة لشعبها، بما ينذر بإشعال انتفاضة غضب جديدة دفاعا عن هوية المدينة المقدسة ضد التهويد ليست فقط في الأرض المحتلة ولكنها ربما امتدت إلى العديد من البلدان العربية و الإسلامية.
في حين كشفت مصادر في البيت الأبيض أن ترامب مُصر على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وفاء لوعوده خلال حملته الإنتخابية بأنه سيقاوم أي محاولة من الأمم المتحدة لفرض إرادتها على إسرائيل، وسينقل السفارة الأمريكية إلى القدس حال انتخابه رئيسًا.
حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نظيره الأمريكي دونالد ترامب ،من مغبة قراره بنقل السفارة إلى القدس، والذى يؤدى إلى تعقيد الأوضاع في الشرق الأوسط، مضيفا أن تنفيذ هذا القرار من شأنه تقويض فرص السلام في الشرق الأوسط، مما يعرقل عملية حل الدولتين الفلسطينية و الإسرائيلية.
فيما أبلغ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس قبل التوصل إلى تسوية سلمية دائمة يستفز مشاعر المسلمين حول العالم نظرا لمكانة القدس العظيمة والمسجد الأقصى القبلة الأولى للمسلمين، وسيضر بمفاوضات السلام ويزيد التوتر بالمنطقة.
ووصف الرئيس الفلسطينى محمود عباس القرار بانه يخلق تداعيات خطيرة على عملية السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
وأعلن رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي رفض حكومته نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس.
بينما وجه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط تحذيرًا إلى الولايات المتحدة من اتخاذ أي إجراءات تغير من الصفة القانونية والسياسية الراهنة للقدس.
كما حذر مندوب الكويت لدى جامعة الدول العربية السفير أحمد البكر من خطورة ما يتردد حول اعتزام الإدارة الأمريكية نقل سفارتها إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
وشدد على العايد مندوب الأردن لدى الجامعة العربية على أن القدس خط أحمر، محذرًا من مغبة الخطوة التي تعتزم الإدارة الأمريكية على اتخاذها.
ومن جانبه، حذر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مؤكدا أن ذلك يؤجج مشاعر المسلمين في كل أنحاء العالم ويهدد السلام العالمي.
وشدد شيخ الأزهر على أن أي خطوة تتعلق بالقدس ستفتح نار جهنم على الجميع لأن المسلمين لن يسمحوا بذلك مهما كانت العواقب
وأدانت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وعلى رأسها قداسة البابا تواضروس الثاني،ما يتردد عن اعتزام الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وقال بيان المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إن هذا الأمر يتعارض مع كافة المواثيق الدولية بشأن القدس، وهو اتجاه سيؤدى إلى مخاطر كبيرة تؤثر سلبًا على استقرار منطقة الشرق الأوسط بل والعالم ككل.
فيما نوه زيجمار جابرييل وزير خارجية ألمانيا إلى خطورة اتخاذ الولايات المتحدة الأمريكية أي خطوة نحو الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل مؤكداً أن ذلك سيعمق الصراع في الشرق الأوسط.
وأكد الاتحاد الأوروبي تمسكه بعملية السلام في الشرق الأوسط، لافتًا إلى العواقب السلبية لأي خطوات أحادية الجانب حول تغيير وضع القدس.
وهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن بلاده قد تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل إذا اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وأبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الفلسطيني محمود عباس تأييد روسيا لاستئناف المحادثات بين إسرائيل والسلطات الفلسطينية بما في ذلك وضع القدس.
واستنكر مندوبو الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي توجهات الإدارة الأمريكية بشأن تغيير الوضع القانوني والتاريخي لمدينة القدس المحتلة.
نقل السفارة حكاية لها تاريخ
رغم مرور 37 عامًا على قرار الاحتلال الاسرائيلي، ضم الجزء الشرقي من مدينة القدس إليها عام 1980 – والذي احتلته بعد حرب سنة 1967- وإعلان المدينة عاصمة لها، إلا أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي – بما فيه الولايات المتحدة آنذاك- لا يعترف بالقدس كعاصمة لـ«إسرائيل»، ويعتبر القدس الشرقية جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يعترف بضمها للدولة العبرية.
كما أبقت الكثير من دول العالم، قنصلياتها في المدينة، بهدف خدمة الفلسطينيين القاطنين فيها، رغم استمرار الاحتلال الإسرائيلي. وكان لافتًا أن الكثير من دول العالم، قررت عقب القرار الإسرائيلي بضم «القدس الشرقية» عام 1980، نقل سفاراتها من «القدس الغربية» إلى «تل أبيب» رغم إقرارها بأن الشطر الغربي من المدينة أراضٍ إسرائيلية.
إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية وقعت مع «إسرائيل» في 19 كانون الثاني 1982 وبالتحديد في اليوم الأخير لولاية الرئيس الأمريكي رونالد ريغان على وثيقة خطيرة، تتناول وضع القدس العربية المحتلة وسميت «اتفاق إيجار وشراء الأرض» حصلت الحكومة الأمريكية بموجبها على قطعة أرض من أملاك الوقف الإسلامي والأملاك الفلسطينية الخاصة في القدس الغربية المحتلة عام 1948 لبناء السفارة الأمريكية عليها.
وكانت الحكومة الأمريكية قبل التوقيع على هذه الوثيقة تعتبر القدس كياناً منفصلاً خارج نطاق السيادة الإسرائيلية. واعتُبر التوقيع على هذه الوثيقة اعترافًا ضمنيًا أمريكيًا بسيادة «إسرائيل» على القدس المحتلة، وفي الوقت نفسه يحرم القانون الدولي الحصول على أرض من سلطة الاحتلال عن طريق الاستئجار أو الشراء.
وفي عام 1990، اتخذ الكونغرس الأمريكي قرار رقم «106»، والذي نص على نقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس المحتلة، وصدر قانون نقل السفارة الأمريكية في عام 1995، وذلك بعد أربعة أسابيع من توقيع اتفاق طابا (أوسلو) في البيت الأبيض بين دولة الاحتلال والمفاوضين الفلسطينيين، والذي تم فيه الالتزام بعدم المساس بوضع القدس، وتأجيل بحثها إلى مفاوضات الحل النهائي.
احتوت ديباجة القانون الأمريكي آنذاك على كافة المزاعم والأطماع اليهودية في مدينة القدس العربية. وتنكَّر القانون في الوقت نفسه لتاريخ وواقع القدس والسيادة العربية الإسلامية عليها، لاسيما وأن السيادة على القدس ثلاثية الأبعاد: فلسطينية أولاً، وعربية ثانياً، وإسلامية ثالثاً. وتضمن القانون ثلاثة بنود: الأول أن تبقى القدس موحدة غير مجزأة أي تكريس الاحتلال الإسرائيلي للقدس بشطريها المحتلين، وشرعنته. والثاني: يعترف بالقدس الموحدة عاصمة لـ«إسرائيل»، ويدعم الاحتلال بالضم والتهويد والدفاع عنه. والثالث: يلزم الإدارة الأمريكية بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وإقامة مبنى السفارة فيها حتى عام 1999 أو متى يحين الوقت لذلك.
القانون الذي وافق عليه آنذاك مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة (93) مقابل (5) أصوات ضده، وأعلن الرئيس بيل كلنتون حينها أنه لا يؤيد القانون ولكنه سيلتزم بتنفيذه. وصمتت حينها معظم الدول العربية صمتاً مريباً، وتفاوتت بعض الردود التي صدرت عنها بين التعبير عن شكر الرئيس كلنتون (لأنه لم يؤيد القانون ولكنه وقّع عليه) وبين إبداء الدهشة والأسف.
تلى ذلك، توقيع الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في 30 أيلول 2002 قانوناً أقره مجلس الشيوخ الأمريكي ينص على أن «القدس الموحدة» عاصمة للكيان الإسرائيلي، مما أثار حينها الغضب والاستنكار الشديدين في جميع العواصم العربية والإسلامية. وقد اعتبرت الدول العربية ذلك القانون خطيرًا ويهدد الاستقرار في المنطقة، ويدل بشكل كامل على الانحياز الأمريكي لدعم الاستعمار الاستيطاني اليهودي في القدس وفلسطين وبقية الأراضي العربية المحتلة وتبنيه والدفاع عنه.
وأخيرًا، في محطة الرئيس الأمريكي بارك أوباما، حاولت إدارته تفادي تطبيق القرار قدر المستطاع، خوفًا من تفجير حالة من الغضب لدى الفلسطينيين وانعكاس ذلك بالطبع على دولة الاحتلال، حيث أرجئ أوباما أكثر من مرة نقل سفارة بلاده لدى الكيان الإسرائيلي من تل أبيب إلى القدس المحتلة، بالرغم من الضغط الكبير الذي كان يلعبه اللوبي الصهيوني على الإدارة الأمريكية، وبحسب القانون الذي تم تمريره في عام 1995، ولكن القانون كان يجيز للرئيس تأجيل العملية لمدة ستة أشهر لأسباب تتعلق «بالأمن القومي».
وتبقى كلمة .. هل يصر ترامب على فعل ما تجاهله أسلافه من رؤساء أمريكا السابقين حماية للأمن القومي الأمريكي، وخشية على إسرائيل نفسها من نار الغضب التى إذا اندلعت هذه المرة فسوف تأكل الاخضر و اليابس وإن غدا لناظره لقريب.