صدرت دراسة جديدة للدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري ، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة –إيسيسكو-، بعنوان «معوقات السلام في العالم المعاصر : المخاطر والتحدّيات»، بثلاث لغات، العربية والإنجليزية والفرنسية في كتاب واحد.
وحلل الدكتور عبدالعزيز التويجري مفهوم السلام ومدلولاته استناداً إلى الآيات القرآنية الكريمة، واستعرض خمسة من المعوقات الرئيسَة التي تحول دون استتباب الأمن والسلم في الأرض، وهي الصراعات المحتدمة بين القوى الكبرى، وصناعة السلاح وتجارته، والتعصب الديني والعرقي، وأطماع القوى الكبرى في ثروات البلدان النامية، والاختلال في النظام الاقتصادي العالمي. ثم أوضح المخاطر المترتبة على تلك المعوقات، وعرض للتحديات التي تواجه المجتمعات الإنسانية خلال هذه المرحلة، فأرجعها إلى بعضٍ من العوامل المترتبة عليها. ثم خلص إلى النتيجة التالية، وهي أن الحوار بالمفهوم العميق والمدلول الواسع، هو المدخل للسلام الذي لا سقف له ولا حدود، مؤكداً في سياق هذا التحليل، وعلى ضوء هذه النتيجة، أن تعزيز قيم الحوار والسلام هو إقـرارٌ للأمن، واستتباب للاستقرار، وترسيخ للسلام.
وأوضح في تقديمه للدراسة، أن قضية بناء السلام العالمي أصبحت محوراً ثابتاً لمؤتمرات وندوات دولية تعقد في مناسبات عدة، تدعو إليها المنظمات الدولية والإقليمية، والمؤسسات العلمية والأكاديمية والثقافية ذات الاهتمام المشترك، ومراكز البحوث والدراسات. وفي هذا الإطار عقد في القاهرة خلال الفترة من 27 إلى 28 أبريل 2017، مؤتمر الأزهر العالمي للسلام، الذي شارك فيه بهذه الدراسة، بدعوة من الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين، وحضرته قيادات دينية ونخب فكرية وعلمية وثقافية وأكاديمية من دول العالم. وقد افتتح المؤتمرُ بكلمة ضافية عميقة على قدر كبير من القيمة العلمية والأهمية الإنسانية البالغة، لفضيلة الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين. وتميزت الجلسة الختامية للمؤتمر بحضور بابا الفاتيكان فرنسيس، الذي ألقى كلمة شـدّد فيها على المسؤولية الإنسانية المشتركة لرفع الحواجز أمام بناء السلام العالمي.
وانطلاقاً من الوعي الرشيد بطبيعة التهديدات التي تعكر صفو السلام العالمي وتلحق الأضرار المتفاوتة الخطورة باستقرار المجتمعات الإنسانية كافة، وصدوراً عن الفهم السليم للمتغيرات المتسارعة التي يعيشها العالم اليوم، حرص الدكتور التويجري على التأكيد على ضرورة المعالجة الشاملة ذات الأوجه المتعددة للأزمات الدولية الناتجة عن تنامي معوقات السلام، وعلى تضافر جهود المجتمع الدولي لإشاعة ثقافة السلام، وعلى وجوب إقامة العدل والإنصاف وإرساء قواعد الحكم الرشيد، لتحقيق القدر اللازم من العدالة الاجتماعية ومن التنمية الشاملة المستدامة، ثم خلص من ذلك إلى أنه لا سلام بين الأمم بدون سلام بين الأديان الذي يقوم على تعزيز قيم الحوار بين الثقافات والحضارات وأتباع الأديان، لبناء جسور الثقة، ولإقامة العلاقات الإنسانية على أساس راسخ من الوئام والتسامح والاحترام المتبادل والتعايش بين الأمم والشعوب على قاعدة ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي.
وبينت الدراسة أن كثيراً من الحروب والنزاعات والصراعات الناشبة في شتى المناطق، مصدرها التطرف الديني، والصراع الطائفي، والفهم المنحرف لمبادئ الدين، والتأويل الخاطئ للنصوص الدينية، من طرف جماعات تزعم وتتوهم أنها على الحق وأن غيرها على الباطل. وأكدت الدراسة أن المهمة الرئيسَة للقيادات الدينية، سواء أكانت من الإسلام أم المسيحية أم اليهودية، أم غيرها من العقائد التي تدين بها شعوب مختلفة في العالم، هي النهوض بمسؤولية نشر قيم السلام، لأن الدين في عمقه هو جوهر السلام.
ويرى الدكتور عبدالعزيز التويجري أن المعالجة الموضوعية لقضايا السلام وما يتفرع عنها، وللمسائل المرتبطة بها، إذا ما نشرت على نطاق واسع بلغات متعددة، ستساهم في تعميق الوعي الحضاري برسالة السلام، وتعزيز قيم الحوار والتقارب بين الثقافات والحضارات والتفاهم والتعايش بين أتباع الأديان، حشداً للجهود من أجل صناعة السلام.
وجاء في تقديم الدراسة، أن عالمنا المعاصر يشهد ارتفاعاً متزايداً بصورة مطردة في مظاهر الكراهية والعنصرية والتعصب الديني والعرقي، وتفشى العنف والإرهاب، في ظل عجز المؤسسات الدولية المعنية بقضايا السلام والأمن، عن القيام بمهامها والاضطلاع بمسؤولياتها. ويزيد من حدة هذه المظاهر، الصراعات القائمة بين القوى الكبرى على مناطق النفوذ والمصالح التي تخرج عن نطاق التنافس المحمود إلى التنازع المذموم. وأمام هذه التحديات والمخاطر الجمة، بعد أن تَـصَاعَدَت وتيرة المطالبة بالسلام على مختلف الأصعدة، وتَـزَايَدَت التهديدات، وتَـفَاقَـمَت المخاطر، وسادت أجواء من القلق وعدم اليقين أوساط السياسة الدولية، وغلب اليأس على الأمل أو يكاد، باتت الأسرة الإنسانية تحت تأثير الهواجس وضغط المخاوف، تترقب في شوق ولهفة، انبلاجَ فجر جديد يسود فيه السلام، وتستقر الأوضاع العالمية، وتَتَعَايَشُ الأمم والشعوب في أمن وأمان.