الحكمة تستدعي الحفاظ على مجلس التعاون الخليجي، فهذا بيت جامع لكل الخليجيين، وقد اعتدنا أن نكون ملاذاً لبعضنا بعضاً، وأن يسند أحدنا الآخر في السراء والضراء، ونستكمل ما بدأ منذ اجتماع أبوظبي في مايو 1981، حيث وضعت اللبنة الأولى، وتأسس مجلس يضم ست دول اتفقت على أن تتشكل منظومة إقليمية تذيب المعوقات، وتكسر الحواجز، حتى نصل إلى غاية وهدف شعوب هذه المنطقة المرتبطة تاريخياً وجغرافياً واقتصادياً واجتماعياً.
وشهدنا ولادة مجالس تعاون أخرى في الثمانينيات، وسعدنا بها جميعاً، ولكنها لم تصمد، بل إنها لم تخرج من غرف الولادة، وكان غزو الكويت في أغسطس 1990 شهادة وفاة لتلك المجالس، بينما كان بمثابة عملية إنعاش لمجلس التعاون الخليجي، الذي عكس صورة حقيقية للواقع الذي نعيشه في هذه البقعة من العالم.
فكان التلاحم في قمة أشكاله، وكان الإصرار على رفض الغزو حتى جاء التحرير واستعدنا قطعة غالية من الجسد الواحد، فانتقل المجلس بعدها إلى مرحلة جديدة تسرع من وتيرة توحيد الأنظمة والقوانين، حتى بلغنا قبل سنوات قليلة، وفي حياة الملك عبد الله بن عبد العزيز، طيب الله ثراه، إلى طرح فكرة الاتحاد بين دولنا، وتلك كانت خطوة متقدمة جداً، وكان مجرد طرحها وتركها للنقاش بين أبناء المنطقة إثراء للغاية التي ننشدها، وإن تأخرت أو لم يوافق عليها في حينه.
ونحن، ومع كل التفاؤل الذي يسودنا تجاه مسيرة مجلسنا التكاملية، نعرف أن هناك من يتربص بنا، ولا يريد الخير لنا، وأنه سيعمل على شق صفوفنا وعرقلة أهدافنا، وقد تنبهنا للأعداء الذين يحاولون تعطيل مسيرتنا، وخاصة من لعبوا في الأزمة القطرية، وحاولوا الذهاب بنا إلى أبعد من حدود قطر.
وقد تابعنا «ترحمهم» على مجلس التعاون، عندما أصروا على القول إنه انتهى، وكنا نرد بأن المجلس أكبر منهم جميعاً، وسنحافظ عليه، كتابة وتصريحات لحقتها أفعال، حتى وصلنا إلى الاستجابة لعقد القمة في موعدها، ورغم أن الأزمة لا تزال قائمة، والمطالب التي حددتها السعودية والإمارات والبحرين واجبة التنفيذ، وهي الحد الأدنى للخروج من تلك الأزمة، ولا يمكن تجاوزها لإضرارها بأمن واستقرار الدول الثلاث، والمقاطعة لن ترفع قبل أن تزول أسبابها، فسلامة الأوطان وتوفير الأمان للمواطنين عند قادتنا يتقدمان على كل الاعتبارات.
إنها حكمة الحكماء.