نون والقلم

إميل أمين يكتب: سيناء… المؤامرة لا تزال مستمرة

يستدعي ما جرى ويجري على أرض الفيروز خلال الأيام القليلة الماضية وقفة تأمل عميقة ورأساً بارداً يستطيع الإنسان أن يفكر به، لا سيما وأن تجمع الآفاق فوقها بهذا الشكل لا يشي بالخير، بل يؤكد أن أرض سيناء الطاهرة لا تزال في بؤرة المؤامرة الدولية.

 

لم تكن العملية الإرهابية الغادرة التي جرت في مسجد قرية الروضة إلا علامة تدلل على أن الإرهاب الممول والمخطط خارجياً، له أهداف أبعد كثيراً جداً من مجرد أحداث مذبحة على النحو الذي رأيناه. ويبقى السؤال في كل الأحوال هل يريدون تفريغ سيناء من أبنائها؟

 

المؤكد أن هناك أحاديثَ كثيرة وعديدة تقع ضمن سياق المؤامرة، وما يتردد عن محاولة توطين الفلسطينيين في أرض سيناء، غير بعيد أو خاف على أحد، فقد أضحى اللعب على المكشوف، وباتت الأوراق على الطاولة الدولية في مباراة شطرنج إدراكية متاحة ومباحة للجميع.

 

حلم إسرائيل الأزلي الخلاص من الشعب الفلسطيني بأي شكل كان، ودائماً وأبداً كانت الأعين على سيناء، لا سيما بالنسبة لأهل غزة وتوطينهم على الأرض المصرية، الأمر الذي تنبّه له الجميع منذ زمن بعيد.

 

ليس الأمر من قبيل المفاجأة أن نرى الإرهاب ينمو ويترعرع في سيناء على الحدود من إسرائيل، حيث الأنفاق بصورة خاصة تهرب وتسرب كل ما من شأنه أن يخل بالأمن في ربوع المحروسة، من أسلحة وعناصر بشرية وتمويل.

 

أعلى درجة من درجات التحالف في واقع الحال هي تلك القائمة بين الصهيونية العالمية من جهة، وبين التيارات الإجرامية المتطرفة التي عصف بالمنطقة وحولتها إلى ساحة وغى دائمة، ذلك أن هذا الإرهاب الأسود على النحو الذي رأيناه في بئر العبد، يندرج تحت أهداف المؤامرة الخبيثة لإبقاء الفوضى الدائمة في المنطقة بأدوات محلية مثل «داعش» وشركائها ومن لف لفها.

 

يستلفت النظر فيما يجري في سيناء عدة أحداث تواكبت مرة واحدة، بدأت من عند الحادث الإرهابي الأخير، وبعده بأيام معدودات كانت وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية جيلا جملئيل تصرح فيما يشبه «بالونة الاختبار» اللعبة المشهورة عند الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية بالقول: «إن أفضل مكان للفلسطينيين ليقيموا فيه دولتهم هو سيناء» بحسب ما أفادت القناة العبرية الثانية.

 

لا يهم ما حدث بعد ذلك من اعتراض الخارجية المصرية، واعتذار نظيرتها الإسرائيلية، فالمهم كان قياس ردات الفعل، وقد تبين جلياً أن شهوة قلب إسرائيل لا تزال قائمة، وأن سيناء لا تزال هدفاً إسرائيلياً.

 

الأسوأ خلف الباب تمثل في القراءة التي صدرت عن مركز بروكنجز فرع الدوحة، وبمجرد ذكر اسم الدوحة تتجسد فكرة المؤامرة نفساً ورسماً وجسماً بشكل مؤكد ضد مصر، لا سيما أن اشتياقات قلب قطر لا تبعد كثيراً عن إسرائيل.

 

القراءة قدمتها بيفرلي ميلتون ادواردز، وخلاصة القول المسموم فيها أن أرض سيناء أصبحت تمثل خطراً على الإقليم، وكذلك على دول الجوار، وفي المقدمة منها ولا شك إسرائيل. والاستنتاج الطبيعي الذي تتركه للقراء هو حتمية تدويل إشكالية الإرهاب في سيناء، أي تدخل قوات دولية هناك، ولاحقاً يتم تنفيذ مخططات الشيطان.

 

ولكي تكتمل القصة كان ولا بدّ من الاقتراب من مستوى أعلى من اللغط الذي تقوم به إحدى الدول الكبرى، ومن غير بريطانيا في الشرق الأوسط يفعلها، وهي التي لعبت على حبال الشرق الأوسط عشرات السنين.

 

باختصار غير مخل وفي تصرف مثير وغريب تخرج علينا بريطانيا ووثائقها بحديث – مقطوع بأنه غير صحيح – يشير إلى أن مبارك كان جاهزاً ومستعداً للتنازل عن أراضٍ مصرية في سيناء لصالح إقامة وطن للفلسطينيين.

 

يمكنك أن توجه لمبارك اتهاماتٍ كيفما تشاء، لكن الموضوعية التاريخية تقتضي القول: إنه كان رجلاً وطنياً ولا يزال إلى أبعد حد ومد، وأن من وضع روحه فداءً لمصر في الحروب الجسام لا يمكن بحال من الأحوال أن يفرط في حبة رمل واحدة من أراضي المحروسة.

 

المؤامرة قائمة وقادمة والسؤال ما العمل؟

ربما يكون الجواب ضمن ثنائية مثيرة للتفكر والتدبر، ثنائية الإرهاب والتنمية، بمعنى التفكير في تنمية سيناء وكأنه لا يوجد إرهاب، ومن جهة أخرى مقاومة الإرهاب هناك بأكبر قوة وقدرة ممكنة وكأنه لا توجد تنمية، وهي معادلة صعبة بلا شك، لكن هذا هو الطريق الوحيد للحفاظ على بوابة مصر الشرقية.

 

أحسن كثيراً جداً الرئيس عبد الفتاح السيسي حين كلف رئيس أركان الجيش المصري، بالتعاون مع الشرطة المدنية، بتطهير سيناء خلال ثلاثة أشهر. ويبدو أن قبائل سيناء بدورها، وكما يفهم من خلال البيان الذي صدر عن اتحادها، قررت أن تكون هذه أيضاً معركتها دفاعاً عن أرض الوطن.

 

أصحاب المؤامرة الخارجية عملوا طويلاً وكثيراً على زرع الفرقة والفتنة بين عموم المصريين وقبائل سيناء، على أمل شق الصف المصري وتفتيت النسيج الاجتماعي للمصريين، غير أن التاريخ يذكر لهذه القبائل الدور الوطني الكبير الذي لعبته خلال سنوات الاحتلال الإسرائيلي لأرض سيناء.

 

مصر في حرب حقيقية تستدعي درجة عالية، بل أعلى درجات التعبئة والتوعية… الأشرار يحيطون بمصر من كل جانب… لن تسقط مصر أبداً.

نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى