لم تعد الحقيقة هي الشاغل الأول لوسائل الإعلام الغربية، يضاف إليها روسيا، فقد سقط مبدأ «البحث عن المتاعب» و«الحياد في نقل الأخبار»، والاستقلالية في الجانب التحريري، ومنع أصحاب رؤوس الأموال من التدخل وتوجيه الوسيلة نحو مصالحهم وأهدافهم، سواء كانت مالية أو سياسية.
مأزق الإعلام الغربي الحر أصبح كبيراً بعد أن توسعت وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت تعامل بصفتها إعلاماً جديداً تجاوز الجمود والتقليدية، فبحثت الوسائل المشهورة والعتيدة عن مصادر تمويل بعد أن قل التوزيع وهرب جزء كبير من الإعلانات، وحيث إن للممول شروطاً، خاصة إذا كان دولة أو حزباً أو جماعة ذات توجه معين أو منظمات وتنظيمات، فألغت قيادات الصحف وقنوات التلفزيون المبادئ، ولن نقول حيدتها وتركتها محجوزة في ركن ضيق، وصار رأس المال يتحكم في قرارات المهنيين، وصار الإعلان المدفوع دون ذكر ذلك على المادة المنشورة أو المذاعة يمر دون استحياء، وصارت التبعية للوبيات واضحة، فهي المموّلة، ومثلها الأحزاب، ومن بعدها تبقى الأبواب مفتوحة لمن يدفع أكثر، وما عاد الانحياز عيباً، وقد كان كذلك حتى قبل سنوات، وكان رؤساء المؤسسات الإعلامية يعزلون إذا ظهر عدم حيادهم في أخبارهم وتقاريرهم، لهذا عندما نرى مقالاً في «الغارديان» نعرف في أي اتجاه يسير ولماذا، ومثلها الصحف الأشهر في أميركا وأوروبا، وقنوات التلفزيون التي تتعارض تغطيتها لحدث مهم مثل مجزرة مسجد الروضة في سيناء المصرية، ما تقوله «فوكس» يختلف عن التفاصيل والأسباب التي تذكرها «سي إن إن»، وتذهب «نيويورك تايمز» في تحليلها شرقاً، بينما تذهب «واشنطن بوست» غرباً، وتموت الحقيقة.
أما القنوات الموجهة، فهذه ليست بحاجة إلى حقيقة وصدق ونزاهة واستقلال مهني، إنها الوجه السيئ للإعلام الغربي، وهي لديها مبرراتها لفعل ذلك، فالتي كانت تتبع وزارة الخارجية الأميركية أو البريطانية، أو تتبع جهازاً أمنياً مثل وكالة «سبوتنيك» الروسية أو قناة «روسيا اليوم» أو تلك التي ذكرتها أمس، كل هذه القنوات والوسائل لم تتحدث العربية من أجل سواد عيوننا، بل لخدمة مصالح دولها، وتنمية الإرهاب في منطقتنا تحقق ما لم تحققه الجيوش الغازية، لهذا نجد تلك الوسائل حاضنة للإرهابيين ومبررة لجرائم الإرهاب!!