نون والقلم

د. عبدالله السويجي يكتب: «أم الدنيا» وأخواتها في خطر

تعرض أمن مصر لضربة موجعة يوم الجمعة الماضي، حين قامت مجموعة كبيرة من الإرهابيين مكونة من 25 إلى 30 متوحشاً، بعضهم يحمل علم «داعش»، باستهداف مسجد في قرية الروضة التي تقع غرب مدينة العريش، شمال سيناء، استشهد فيها 305 بينهم 27 طفلاً وجرح أكثر من 128، في أعنف هجوم تتعرض له مصر منذ سنوات. وقد قوبل الهجوم بإدانات واسعة من قبل المجتمع العربي والدولي.

 

لأول مرة أستخدم في مقالاتي كلمة الإرهابيين من دون وضعها بين قوسين، ولم أستخدم وصف المتطرفين ولا المتشددين، فمن يقوم بقتل المصلين في بيت من بيوت الله بهذه الوحشية والدموية هم إرهابيون متوحشون لا ينتمون إلى الإنسانية ولا إلى فصيلة البشر، وتؤكد طريقة الاستهداف التي تمت بدم بارد وقصدية واضحة للقتل وإيقاع أكبر قدر من المصلين قتلى وجرحى، حيث انتظرت أربع سيارات خارج المسجد فيها إرهابيون قتلة ليجهزوا على الهاربين والناجين، ويتعاملوا معهم كقطعان ماشية، هذه الطريقة تلغي عنهم صفة البشر والإسلام، وتضعهم في مصاف الوحوش والمجانين المخدرين ومصاصي الدماء الذين يرقصون على جثث ضحاياهم، همهم الوحيد هو القتل ثم القتل، ولا يمكن قبول أي تبرير أو فتاوى لتنفيذ هذه العملية، هم أدوات الشيطان المطلق، وأدوات مغيّبة لجماعات ودول أكثر شيطانية، تسمح بقتل المصلين وهم بين يدي الله.

 

مصر، الدولة الصامدة حتى الآن في وجه الخراب، رغم الدمار والتفتت الذي يحدث في جارتها ليبيا، ورغم محاولات نشر الفوضى في داخلها، وتأجيج نار الفتنة بين الطوائف والمذاهب، مصر صمدت منذ العام 2011 في وجه التقسيم والتخريب، ودفعت ثمناً باهظاً من شبابها وجنودها، مستهدفة اليوم أكثر من أي وقت مضى، كونها أكبر دولة عربية وأقواها، وكونها أيضاً محمولة على تاريخ وحضارة تمتد لآلاف السنين، وكونها تساند الفلسطينيين وتدعم وحدتهم، وتقف إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي وتعتبر استقراره من استقرارها. مصر مستهدفة من الإرهابيين المسيرين إقليمياً ودولياً، يحاربها البعض بقوت يومها، والآخر بمائها، وآخرون بزعامتها وسيادتها على أرضها.

 

مصر مستهدفة من قبل الاحتلال «الإسرائيلي» الذي يحلم برؤية جميع الدول العربية مفتتة ومقسمة ويسودها الخراب والدمار، ليسهل عليه السيطرة على مقدراتها وخيراتها من نفط وماء، وليحقق خططه لإنشاء «إسرائيل» الكبرى، ولا يخفي شعاره (حدودك يا «إسرائيل» من الفرات إلى النيل).

 

وسائل إعلام كثيرة بدأت عقب الهجوم القبيح الإجرامي على مسجد الروضة، بالوقوف وراء أسبابه ودوافعه، بعضهم قال، إن قرية الروضة تعرضت للهجوم بعد رفض أهاليها إيواء الإرهابيين. لكن العملية لم تكن الأولى، فقد استهدف ما يُسمى تنظيم «داعش» مسيحيين وصوفيين، الأمر الذي أدى إلى فرار عشرات الأقباط من شمال سيناء في مطلع العام 2017، كما تبنى «داعش» ذبح اثنين من الشيوخ الصوفيين في شبه جزيرة سيناء في ديسمبر 2016، ونشر صوراً لأحد عناصره يحمل سيفاً ويقطع رأسي رجلين مسنين اتهمهما بأنهما «طاغوتان يدعيان علم الغيب». وبذلك يحيل البعض العملية إلى اختلاف بالعقيدة، وهذه الإحالة مطية وتبرير واهن لاستهداف المدنيين وإشباع شهية القتلة للدم، فالصوفية موجودة منذ مئات السنين، ولها أتباعها من كبار المسؤولين في المؤسسة الدينية في مصر، ولكنها حجة تافهة لهؤلاء إن صحت، كما كانت حجة دنيئة لتخريب سوريا وليبيا والعراق وتونس ولبنان، واستهداف المنطقة بأكملها لتبقى تحت الوصاية الأجنبية، معتمدة في سياساتها الخارجية وقوت يومها عليها، وتبقى سوقاً مفتوحة للرأسمالية اليهودية، وهو موضوع يطول شرحه ومعروف لدى القاصي والداني، التي تسعى إلى خلق الحروب في المنطقة، عن طريق تأجيج الفتن المذهبية والدينية، مدعية تارة بنشر الديمقراطية، وتارة بمحاربة الديكتاتورية، وهدفها النهائي استدامة المنطقة العربية سوقاً للسلاح والمنتجات الأخرى.

 

ومن البديهي القول، إن من يريد نشر الديمقراطية لا يدعم التنظيمات المتطرفة، ولا يلعب على وتر الفتنة المذهبية، ولا يؤجج الصراع العرقي، ولا يشجع على الذبح والقتل والتمثيل بالجثث، ولا يسكت عن هدم المعالم الحضارية الدينية وغير الدينية، ولا يستعين بالوحوش الذين ينقلهم بطائراته ويزودهم بأحدث أنواع الأسلحة، وحين تتم محاصرتهم تنتشل الطائرات قياداتهم، وتفتح لهم ممرات آمنة للنجاة والانتقال إلى ساحات أخرى.

 

القضية لا تتعلق بالصوفية ولا التطرف، ولكن بمخطط جهنمي لتدمير المنطقة العربية، وليست دولاً بعينها، وتهجير العقول العربية والموارد البشرية إلى الدول التي تعاني من أزمات سكانية وعمالة.

 

مرة أخرى، الحل يكمن في اليقظة العربية الشاملة، فالخطر محدق بالجميع، وعلينا ألا ندمر أوطاننا بأيدينا، ونسلم ثرواتنا للآخرين، والخطر لا يحدق بأم الدنيا فقط، وإنما بأخواتها وأخوتها.

 نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى