“التواصل الاجتماعي” يحرق العلاقات الزوجية ويسبب الطلاق
عائلة مكوّنة من 6 أفراد يجلسون سوياً في غرفة المعيشة برؤوس محنية، يضحكون ويتفاعلون كلّ مع جهازه الذكي ولا تكاد تسمع إلا صوت ضحكاتهم على نكت ومواقف مختلفة تجري خارج الغرفة أو ربما خارج حدود البلاد كلها، هذا المشهد أصبح اعتيادياً منذ أن أصبحت الأجهزة الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي جزءاً من يومنا، وعلى الرغم من حسناتها الكثيرة إلا أنها تؤثر سلباً على العلاقات الزوجية لدرجة قد تؤدي إلى الانفصال.
بالطبع لا يمكن اعتبار وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية هي المتهم الرئيسي والمسبب المباشر للانفصال، لكن السلوكيات التي يكتسبها الزوج أو الزوجة من كثرة ونوع الاستخدام تتسبب بتأجيج المشاكل وتختلق مشاكل جديدة يؤدي تراكمها إلى استحالة الاستمرار بالحياة الزوجية.
فبحسب دراسات أجراها الخبير النفسي للأزواج، يان كيرنر، فإن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية يجعل الأزواج يتحدثون أقل مع بعضهم وجهاً لوجه مما يتسبب بحدوث خلل في التواصل ويسبب نشوب نقاشات حادة ومتواصلة تسيء للعلاقة.
إلى جانب ذلك، ومن معطيات اطّلع عليها “الخليج أونلاين” وأصدرها مركز “بيو” للأبحاث، فإن 25% من الأزواج الذين يستخدمون خدمات الرسائل النصية سواء عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو التطبيقات- تراسلوا مع أزواجهم أثناء وجودهم جنباً إلى جنب داخل المنزل. ومن هذا المعطى يمكننا إدراك حجم المشاكل التي يمكن أن يسببها الاعتماد شبه الكامل وغير الواعي لخدمات الهواتف الذكية على الحياة الزوجية.
إلى جانب ذلك، صرّح 25% أيضاً من الأزواج بأن الطرف الآخر ينشغل عنهم بسبب استخدامه لتطبيقات التواصل عن طريق الهاتف أو الحاسوب، كما أن هؤلاء اعترفوا بأن هناك نقاشات دورية حادة تنشب بينهم بسبب الاستياء من الانشغال بالهاتف وتأثر العلاقة بذلك.
واللافت في الأمر أن دراسة أخرى صدرت عن المركز نفسه (Pew Research Center) بيّنت أن الأزواج الذين “ألغوا صداقة” أزواجهم في موقع فيسبوك تحسنت علاقتهم ببعضهم وخفّت وتيرة المشاكل فيما بينهم. وجاء تفسير ذلك في أن إلغاء الصداقة يجنّب الزوج والزوجة من أن يعرفا معلومات زائدة عن نشاط الآخر ويضفي غموضاً على العلاقة ويجدد الرغبة بالاكتشاف والحاجة للكلام والتواصل وجهاً لوجه.
من ناحية أخرى يمكن التطرق لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها كوسيلة تعارف وارتباط، على العلاقة الزوجية لاحقاً. فمن الصحيح أن الإنترنت أصبح وسيلة مقبولة للتعارف الجاد الذي ينتهي بالزواج، إلا أن حقيقة كون التعارف بدأ عبر شاشات صمّاء وبتواصل كتابي غالباً أو صوتي وفيديو بأحسن الأحوال يفتح المجال أمام الإعجاب بناء على معلومات منقوصة، سواء كان ذلك مقصوداً من الطرف الآخر أم لا.
وقد أكدت الدراسات والمشاهدات والتجارب الشخصية هذه الادعاءات، إذ إن الإنسان يميل دون قصد منه أن يدخل برجله اليمنى إلى المحادثات عبر الإنترنت، وذلك بمعنى أنه يميل لإظهار الجوانب الإيجابية ويقلّص دون أن يدرك الضعف العاطفي والصراعات الداخلية وعدم الشعور بالأمان، وفي الحالات المتطرفة قد يتقمص أحد الأطراف شخصية ذات صفات غير واقعية.
في هذه الحالة، وإذا وصلت العلاقة حد الزواج، من المتوقع أن تزداد المشاكل بناء على “الاكتشافات” الجديدة للشخصية، التي قد تكون مناقضة لما عرف سابقاً، كما أن التواصل الافتراضي لا يعكس شخصية الطرف الآخر بوجود الآخرين ولا يسمح للطرفين بدراسة بعضهما ضمن السياقات المختلفة، مما يزيد احتمال نشوب الخلافات لاحقاً وتراكمها إلى حد الطلاق.