سيلتئم شمل الفصائل الفلسطينية اليوم في القاهرة، وسيتابع الفلسطينيون بقدر كبير من «الضجر» و«التثاؤب» حركة ممثيلها في الردهات والممرات، الوجوه ذاتها، منذ عشرات السنين، لا شيء تغير سوى أخاديد الزمن التي حُفرت عمقياً على الوجوه والأعناق، والرؤوس التي اشتعلت شيباَ أو فقدت «فروتها» … وحدها حماس، تأتي بوجوه جديدة، فهذا التنظيم، «الشمولي» بالتعريف، هو الأكثر حيوية وتجديداً لنخبه وقيادته، وتلكم مفارقة برسم القوى الديمقراطية الفلسطينية … البقية نعرفهم مذ أن عرفنا القضية الفلسطينية، نعرف حركاتهم الإرادية و«اللا إرادية»، نعرف ماذا يضمرون وبما سيبوحون … لا شيء جديداً البتة، لكأننا حضرنا هذا الفيلم أكثر من مرة.
ما علينا؛
سيتحدث الجميع عن تفاقم الأخطار واتساع دائرة التآمر، وسيمرون بالمنعطف الإستراتيجي الذي تمر به القضية، وسيطالبون بالاعتصام بحبل الوحدة الوطنية، حتى لا يتفرقوا وتذهب رحيهم … لكأنهم يخاطبون أحداً غيرهم، مع أنهم «مجتمعون بربطة المعلم» تحت الرعاية المصرية، هم أصحاب القرار، أو هكذا يفترض بهم أن يكونوا، فلماذا يخاطبون «كائنات فضائية» غير مرئية … إن كانت الوحدة ضرورية إلى هذا الحد، فلماذا لا تتوحدون … لماذا تظهرون أعلى درجات السخاء أمام الغير، وتتوقفون عن كل كلمة وفاصلة وحرف «نصب» أو «جزم» عندما ينحصر الأمر بينكم … بصراحة لا أجد نفعاً ولا رغبة للاستماع إلى مطولاتهم، فهذه الاسطوانة، «امّحت» لفرط دورانها.
ما علينا (…)
المصالحة قطعت خطواتها الأولى، بيدَ أنها ما زالت في خطر، بل وما زالت «مفخخة» بالألغام والعبوات الناسفة التي لم تنزع بعد … المصالح تتهدد المصالحة، هكذا يرى رجل الشارع الفلسطيني … رياح الانقسام الإقليمي السموم تهب على البيت الفلسطيني بقوة، وتهدد باقتلاعه … هناك من يؤيد مصالحة في خدمة ترامب و«صفقة القرن» … وهناك من يؤثر الانقسام لمواجهة ترامب وحلفاء ترامب على الضفة الأخرى … المحاور الإقليمية تتربص، ولكل منها أدواته وأولوياته وفرسانه من بين المجتمعين في رحاب الضيافة المصرية… وهيهات أن يرتقي القوم إلى مستوى ما يجابه شعبهم وقضيتهم من تحديات، الجميع مثقل بحسابات حلفائه والتزامات «محوره».
ما علينا؛
السلطة باتت تعرف ما ينتظرها، ومكتوب مبادرة ترامب يُقرأ من عنوانه، وعنوانه إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وحملات الضغط التي تضع الرئيس عباس بين خياري الاستسلام أو التنحي، أو بالأحرى «التنحية»، هي خلاصة الموقف العربي، حتى وإن لم ترد على الصورة الاستفزازية التي جرى تداولها … التعاون العربي مع إسرائيل ما عاد ينتظر غطاءً فلسطينياً، ولو من قبيل «ذر الرماد في العيون» … الزمن تغير، والحرج بات مرفوعاً … من سيكترث لبيان الفصائل أو تحالفها، سواء صدر من دمشق أو غزة أو من رام الله … معارك كسر العظم الدائرة في الإقليم، تجعل من السلطة وفصائلها والمقاومة وكتائبها، تفصيلاً صغيراً جداً … جداً … جداً.
وحماس بدورها تعرف ما ينتظرها … وإن كانت لا تعرف، فما عليها إلا أن تقرأ بيان وزراء الخارجية العرب الذي لم يجف حبره بعد … كل ما على حماس أن تفعله هو أن تضع اسمها محل اسم حزب الله أو بجانبه … وبقية القصة معروفة … وكل ما على السلطة أن تفعله، هو التأمل الدقيق في أداء جبران باسيل ومندوب لبنان لدى الجامعة العربية … تخفيف لهجة الإدانة للبنان وتفادي وصم حكومته بالإرهاب ورعايته … بيان الأمس، جدير بأن يقرأ جيداً من قبل جميع المجتمعين في القاهرة، وتحت الرعاية المصرية.
أما بقية الفصائل، فمن العبث فرد مساحات واسعة للتعليق على موقعها وموقفها، بعد أن أدرجت نفسها في خانة «لزوم ما لا يلزم»، وارتضت بدور الكومبارس الذي يُستدعى على عجل، ويُستبدل على عجل، لا لشيء إلا لاستكمال الصورة وملء المقاعد الشاغرة.
ما علينا؛
حوارات القاهرة ستمضي في طريقها وفقاً لرزنامة الوسيط المصري …وبعد اتفاق فتح وحماس، تصبح بقية الحوارات والمناقشات و«المناغشات» من باب تحصيل الحاصل … الحوار الفلسطيني المطلوب والمأمول، ليس هذا الذي يجري في القاهرة، لا من حيث الزمان والمكان، ولا من حيث جداول الأعمال … الحوار المطلوب مساحته ساحات العمل الوطني الفلسطيني، والمشاركون فيه هم أبناء وبنات فلسطين ونخبها وطلائعها، وغالبيتهم خارج التركيب الفصائلي … أما عناوينه، فتنحصر في بعث واستنهاض الحركة الوطنية الفلسطينية، وبناء التوافقات العريضة والعميق حول استراتيجية المرحلة الجديدة، والخروج من أسر الأدوات والأطر المكبلة لكفاح شعب فلسطين، وإعادة قراءة خريطة التحولات في الإقليم، والإجابة من جديد عن سؤالنا القديم: من هم أعداؤنا ومن هم أصدقاؤنا؟ … مثل هذا الحوار، ليس بحاجة لوسطاء ولا رعاة، ولا هو هو بحاجة لفنادق خمسة نجوم ولا أربعة أو ثلاثة… ميادينه مدن فلسطين وقراها وما تبقى من مخيمات المنافي والشتات وجاليات الاغتراب الطوعي والقسري … مثل هذا الحوار، لا يجب أن يتحدد بجلسات يجب أن تنجز على عجل لاستلحاق «المؤتمر الصحفي» المُعد سلفاً، فهو حوار تمليه ضرورات المجابهة المستمرة مع الاحتلال وأعوانه وحلفائه القدامى والجدد، حتى يظفر الشعب الفلسطيني بحريته وكرامته واستقلاله، وإن طال الطريق وعظمت التضحيات.