لست ضد التقنيات الذكية، بل على العكس، أؤيدها، وأدعو للاستعانة بها، ولكن، أعود لأحذر من الاندفاع المفرط الذي يمكن أن يضعنا في مآزق كبيرة مستقبلاً.
لقد استمعت في الأسبوع الماضي إلى شخصين، الأول كان يتحدث عن أحلام 40 سنة قادمة، فأوصلنا إلى الكواكب والنجوم بآلات تتحرك دون بشر، وبلعنا كل ذلك، قبلنا لأننا نرى أقماراً صناعية ومناظير عملاقة تستكشف الفضاء دون أن يرافقها إنسان، وعرفنا عن صواريخ تبرمج وتطلق فتذهب إلى أهدافها مباشرة، ونسبة الخطأ لا تصل إلى متر واحد، ورأينا قطارات تسير دون سائق،.
وكذلك السيارات والطائرات، واستشهد صاحبنا بشركة «أوبر» التي تدير أكبر شبكة سيارات أجرة في العالم دون أن تملك سيارة واحدة، وموقع حجوزات الفنادق الأشهر «بوكنغ دوت كوم» الذي جمد عمل الشركات السياحية التي كانت سائدة في العقود الماضية، وأكمل حديثه بأن الكثير من الوظائف والمهن ستختفي في السنوات القليلة القادمة، واستشهد بإدارات الحسابات والمحاسبين، قائلاً إن التطبيقات الحديثة تلغي دورهم.
أما الشخص الآخر فهو متطوع، أراد الأجر على النصيحة فسجل مقطع فيديو بثه على المواقع، وكانت نصيحته موجهة إلى أولياء الأمور، يدعوهم فيها إلى عدم توجيه أبنائهم نحو المهن التي كانت مطلوبة ومرغوبة، لا طبيب ولا مهندس ولا ضابط ولا أستاذ جامعة، فهذه مهن ستموت قريباً، وستحل مكانها البرمجيات أو ربما قال التطبيقات، ودعا دولنا إلى تغيير المناهج الدراسية والتوقف عن طباعة الكتب وتدريس الحساب والرياضيات، والجامعات تغلق الكليات الإنسانية والعلمية، وتركز على البرمجة، برمجة المعلومات، فهي التي ستسود مستقبلاً، وعلينا أن نوجه أبناءنا نحوها!!
تساءلت وأين البشرية من كل ذلك؟
ودعونا أولاً نعود إلى السؤال الذي ختمنا به مقال يوم أمس، من هم المستهدفون من هذا الذكاء التقني الذي سيلغي دور الإنسان؟
إذا أصبح الطبيب دون عمل، والمهندس لا يوثق به ليبني بيتاً أو برجاً، والمحاسب «ماله عازه»، وضابط الشرطة أو الشرطي سيحل مكانه «روبوت»، والطيار ليس أمامه إلا الانضمام إلى مافيات تهريب المخدرات، إذا أصبح كل الناس دون مصدر رزق، مع من ستعمل «غوغل» و «مايكروسوفت» و «فيس بوك» و «أبل» و «أوبر» و «درون» وشركات البرمجة!!