انبهر بعض الناس بالتقنيات الحديثة، أذهلتهم إمكاناتها، وأصبحت هي شغلهم الشاغل، حتى ظهر بينهم من يبشر باختفاء البشر لتحل محلهم الآلات الذكية في كل المجالات، وكلمة «ذكية» صارت ملازمة للتصريحات في المؤتمرات التي تبحث عن المستقبل، وكأن الذي كان ولا يزال غباء في غباء.
كلنا مع التقدم العلمي، بهاتفه الذكي الذي جعل من الإنسان «بقعة» تواصل مع العالم، وبالروبوتات التي تقدم خدمات جليلة في غرف العمليات، وفي ساحات الإرهاب وزرع المتفجرات، ونعلم بأن التطور الذي وصلت إليه البشرية يعود إلى القفزات الهائلة التي طرأت على تكنولوجيا التشغيل والإدارة خلال العقدين الأخيرين.
لو رجعنا إلى بداية تسعينات القرن الماضي، أي قبل 25 عاماً فقط، وتذكرنا الجهد الذي كان يبذل لإنجاز أي عمل سنترحم على تلك الأيام، وندعو ألا تعود، فمن منا إذا أراد أن يسافر اليوم سيقبل بأن يركب سيارته باحثاً عن وكالة سفريات، ومن سيرضى بأن يراجع موظف إدارة الجنسية عدة مرات حتى تكتمل الأوراق المطلوبة، ثم ينتظر عدة أيام حتى يستلم جواز سفره المجدد، ومن سيقف تحت أشعة الشمس في طابور طويل منتظراً فحص سيارته في الترخيص ومن سيتنقل ما بين العيادة في الحي أو في قسم الطوارئ، ثم يحول إلى المستشفى أو الطبيب المختص الذي يعطيه موعداً بعد أسبوع، وهو يعاني من الإنفلونزا فقط، ومن سيبحث عن سيارة أجرة لنصف ساعة وأكثر، ليكتشف بعدها أن يده تورمت وهو «يلوح» بها، ومن منا سيذهب إلى البريد ليبعث رسالة إلى صديق أو حبيب يدرس في الخارج أو يعالج من مرض ما، ومن اشتاق لتلفزيون يضرب حتى تستقر الصورة على شاشته، ومن منكم جميعاً سيمد يده إلى الهاتف الثابت القابع بالقرب منه أو فوق مكتبه ليتصل منه، من لديه الاستعداد للتنازل عن هذه الأعجوبة التي بين يديه ليذهب إلى «أبو قرص» أو «أبو أزرار»؟
لا أحد يريد أن يعود إلى الوراء، ويعيش في معاناة مع كل متطلبات الحياة، ولكن أيضاً لا أحد منا يريد أن يتحول إلى مستخدم عند تكنولوجيا الأذكياء، فقد خرج علينا في الآونة الأخيرة من قال إننا سنكون «عالة» على العلم الحديث، وأقصد هنا البشر، وهذا يدعونا إلى السؤال عن المستهدفين من الذكاء القادم!