قد يشكل ملف المقاتلين التونسيين بسوريا اهم اختبار لرئيس الجمهورية ورئيس حكومته اذا ما اتفقت روسيا والولايات المتحدة على حل الازمة السورية بتقاسم السلطة بين الأسد والمعارضة اذ حينها سيتم اجبار المقاتلين الاجانب على الرحيل ووقتها لا نظن ان تونس سيكون لها القدرة على رفض الاملاءات الدولية الهادفة الى اعادة هؤلاء الى بلدانهم الأم..
قد يكون وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش اول من تفطن لما يدبر للأزمة السورية من حلول ونجزم انه لم يسبق الاحداث حين صرح بان امكانية استقبال تونس لمواطنيها الذين تورطوا قي القتال في سوريا واردة فالرجل على وعي تام بان تونس لن تقدر على الصمود امام الاملاءات الدولية القاضية باجبار الدول الام لهؤلاء المقاتلين بالقبول بعودتهم حتى وان كان ذلك باسم الرحمة والتوبة وما الى ذلك من قيم قد تبطن سياسيا لتتحوّل إلى قوانين ستفرض على عموم الشعب القبول بها واحترامها والعمل بها..
وإن عاد الحديث هذه الايام عن التوبة والرحمة فلان الموضوع ليس وليد اليوم بل تمت اثارته لاول مرة ذات يوم زار فيه الرئيس السابق المنصف المرزوقي منطقة جبل الشعانبي وتوجه للارهابيين قائلا: «تونس تفتح لكم ذراعيها للعودة الى حضنها واعلان التوبة وعفا الله عما سلف»… لكن الموضوع سيأخذ منعرجا قانونيا لاول مرة في تونس لما « كشف في شهر افريل 2014 السيد رضا صفر الوزير المعتمد لدى وزير الداخلية المكلف بالأمن في حكومة المهدي جمعة في تصريحات إعلامية أن السلطات التونسية تدرس طرح مشروع قانون يمكن الارهابيين الذين قاتلوا في سوريا من العفو وعدم معاقبتهم جزائيا شرط إعلان توبتهم واثبات عدم تورطهم في القتل والإرهاب الدموي في سوريا»، وسمي ايامها مشروع هذا القانون بمشروع التوبة والرحمة لكنه لقي معارضة شديدة من قبل احزاب المعارضة وفي طليعتها حزب نداء تونس وطوي الملف لا لانه رفض من طرف تلك الاحزاب وانما لان القوى الدولية لم تكن ايامها على ذات المسافة من الازمة السورية كما هي عليه اليوم..
ومن الغباء موقعة مسألة عودة المقاتلين التونسيين في سوريا داخل التجاذبات السياسية الداخلية في تونس والذهاب الى حد القول بان هذا الملف تحول الى موضوع مقايضة بين حركة النهضة وحزب نداء تونس لتمرير القانون الاخر المتعلق بالمصالحة فلا نداء تونس ولا حركة النهضة قادران على رفض الاوامر الدولية اذا ما تم التوصل الى اتفاق بشان سوريا بل ربما هناك اتفاق بينهما يقضي بتهيئة الرأي العام للقبول بهذا الواقع ولعب دور سياسي في الموضوع برمته خاصة من جانب حزب نداء تونس الذي رفض تمرير قانون الرحمة في الماضي وهو مطالب اليوم بتعليل اي موقف جديد يطرأ على موقفه القديم.. لذلك سارعت كل القيادات في نداء تونس الى رفض تصريحات وزير الخارجية الطيب البكوش الذي كما اوردنا في بداية المقال تصريحاته في علاقة بهذا الملف.. ولا يمكن في ذات الوقت مؤاخذة حركة النهضة على تصريحات زعيمها الاستاذ راشد الغنوشي حين قال «من المفروض انه لا يمكن استثناء احد من قانون المصالحة الوطنية بما في ذلك الجهاديون التونسيون» فالحركة على علم بما يرتب دوليا لهؤلاء المقاتلين وتريد استثمار عودتهم سياسيا ناهيك وان مضامين «الرحمة والتوبة» هي من صميم المصطلح السياسي للحركة..
يبقى الآن ان نتساءل ان كانت باقي القوى السياسية الفاعلة في البلاد وفي طليعتها الجبهة الشعبية ستهدد بالنزول الى الشارع اذا ما قبلت الدولة التونسية بعودة المقاتلين التونسيين في سوريا تماما كما تهدد الان في علاقة بقانون المصالحة.
بحسب تقرير بثته قناة روسيا اليوم ارتفع عدد التونسيين الملتحقين بالتنظيمات الإرهابية في سوريا إلى 8000، محتلين المرتبة الرابعة في قائمة جنسيات المسلحين المنخرطين في تلك الجماعات بعد الشيشان والسعودية ولبنان.
وكشف وفد تونسي إعلامي وحقوقي، زار دمشق مؤخرا والتقى بمسؤولين السوريين، أن ما بين 7 آلاف و8 آلاف تونسي التحقوا بصفوف التنظيمات الإرهابية، وأن معدل وتيرة التحاقهم ارتفع خلال العامين الماضيين.
وقال عضو الوفد زياد الهاني في مؤتمر صحفي السبت 5 سبتمبر 2015 إن تقارير صادرة عن الحكومة السورية أكدت مقتل أكثر من 2000 تونسي في عام 2014، مضيفا أن الكثير من التونسيين وصلوا إلى مراكز قيادية داخل الجماعات الإرهابية على غرار تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة».