جاء إقرار الحكومة الأردنية مسودة قانون انتخابي جديد ، خلفاً لقانون الصوت الواحد الذي اتخذ في ظروف خاصة وكأنه محاولة لتنفيس الوضع الداخلي الذي شهد توترات بين الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين ، والتي رأت في قانون الصوت تحجيماً لدورها في مجلس النواب وابتعدت عن المشاركة الرسمية في الانتخابات.
ويأتي انفتاح الحكومة الأردنية على جماعة الإخوان التي انشق عنها تيار استطاع أن يستحوذ على ممتلكاتها باعتبارها جماعة سياسية غير مرخصة ، إثر ضغوط أمريكية خفية تم ربطها بالمساعدات الملحة التي يحتاج إليها الأردن ، وفي سياق التصدي للجماعات المتطرفة التي تحيط بالأردن في سوريا والعراق ، وتحاول النيل من الاستقرار في هذا البلد الذي بات ملجأ آمناً لكل عربي لجأ من بلاده سواء كان عراقياً أو لبنانياً أو سورياً أو يمنياً وقبل ذلك فلسطينياً ، ولا يتلقى الدعم لمواجهة التدفق من الخارج للاجئين.
وبهذه الخطوة تحاول الحكومة إزالة الاحتقان الداخلي مع الجماعة التي عرفت بولائها المطلق للنظام الأردني في مراحل سابقة، ومع أن الجماعة لم تسارع إلى الترحيب بالقانون إلا أنها وفقاً لبعض المعلومات تشاورت بشأنه مع مسؤولين أمريكيين كان لهم الدور الفاعل في هذا الانفتاح ، فيما رحبت جمعية الإخوان المرخصة التي انشقت عن الجماعة بالقانون الجديد الذي يعطي للناخب الحق في التصويت بعدد مقاعد دائرته ، لكن الذراع السياسية للجماعة وهو حزب العمل الإسلامي رحب بالقانون.
هناك من يقول إن التغيير نجم عن تدخل أمريكي لصالح الإخوان حيث ما زالت الإدارة الأمريكية على عهدها السابق الذي قطعته لقيادة الجماعة في مصر من حيث التأييد وإطلاق يدها في المنطقة العربية ، مقابل التزام جماعة الإخوان بأمن «إسرائيل» وحماية المصالح الأمريكية والالتزام بالاتفاقات الموقعة مع «إسرائيل».
عملياً ما زالت الإدارة الأمريكية على تحالفها مع جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة العربية. وهذه المعضلة ما زالت قائمة في العلاقات بين واشنطن والقاهرة حتى الآن.
يبدو أن التفاهمات التي وقّعها الزعيم الإخواني المصري خيرت الشاطر مع الإدارة الأمريكية بعد إسقاط حسني مبارك مباشرة ما زال لها مفعولها لدى الإدارة الأمريكية ، وهي ما زالت على عهدها بتمهيد الأرض لعودة الإخوان من بلد إلى آخر بعد الهزيمة النكراء في مصر التي قلبت الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
ظن الإدارة الأمريكية أن جماعة الإخوان يمكن أن تكون درعاً مضادة للتمدد الإيراني من جهة وللجماعات الإرهابية من جهة أخرى ، لكن الوقائع على الأرض أكدت عكس ذلك ، حيث ما زالت بعض أطراف جماعة الإخوان على علاقات مع طهران ، كما أن هناك تداخلاً بين أنشطة الجماعات الإرهابية والإخوان في مصر بحيث لم يعد ممكناً التمييز بينهم لوجود علاقات تنسيقية بين الطرفين عسكرياً وتسليحياً وتمويلاً، ولعل الجهود التي تبذل حالياً لتحويل التهدئة في غزة إلى هدنة طويلة الأمد بجهود تركية – قطرية ومباركة أمريكية عن بعد ، تأتي في هذا السياق لتثبيت سيطرة حماس على غزة إلى أجل غير مسمى، لأن غزة أول موطئ قدم سيطر عليه الإخوان في العالم العربي ، وأقسم قادة حماس قسم الولاء للجماعة في ميدان عام بحضور الآلاف من أنصارهم في غزة.
فهل تكون عودة الإخوان إلى الحلبة السياسية في الأردن وتحسين علاقاتهم مع بعض الدول العربية بداية لإعادة بعث الحلف الأمريكي – الإخواني بحجة أن الاعتدال الإخواني يمكنه صد الجماعات المتطرفة؟ لكن هذا الاعتقاد ثبت فشله بالمطلق في اليمن وسوريا والعراق وحتى ليبيا ، حيث ركز التنظيم الدولي للإخوان جل جهوده لتحويلها إلى قاعدة متقدمة لمحاصرة مصر من الغرب. إذ يبدو أن النظرية المصرية القائلة إن كل هذه الجماعات الإرهابية خرجت من تحت عباءة جماعة الإخوان أكثر دقة من التصور الأمريكي. ويبدو أن الهدف الأمريكي في النهاية هو النفخ في بؤر التوتر والفتن في البلاد العربية وليس لإطفائها.
نقلا عن صحيفة الخليج الإماراتية