** لم تكن هجرة العرب إلى البلاد الغربية -وليدة الحاضر- بل بدأت منذ القرن التاسع عشر الميلادي، عندما نزح العديد من سكان بلاد الشام، وتوجّهوا صوب الأمريكتين، يحدوهم الأمل في حياة أفضل، واستقر كثير منهم في تلك البلاد، وحظي بعض هؤلاء بشهرة علمية وأدبية لم يكن من اليسير حصولهم عليها في بلادهم الأصلية مثل: الفنان والمبدع جبران خليل جبران، ومجايليه ممّن عرفوا باسم العصبة المهجرية، وبعد تحرر البلاد العربية من سطوة الاستعمار الغربي، ونيل تلك الدول استقلالها، ومن ثم صعود تيارات ثورية، وبعضها جاء على ظهور دبابات غربية، كما اعترف بذلك الرئيس العراقي الأسبق أحمد حسن البكر للكاتب الإنجليزي طارق علي، بدأت الشخصيات السياسية العربية في النزوح إلى عواصم الغرب، وفي مقدمتها «لندن»، وشهدت السبعينيات والثمانينيات الميلادية تصفية حسابات بين الأنظمة وتلك الشخصيات التي وجدت في منابر الغرب الإعلامية ما يمكّنها من نقد تلك التيارات التي تحكم بعض البلاد العربية بالحديد والنار، وتعقّبت تلك الأنظمة منتقديها في شوارع لندن وباريس، بل بلغ بها الجبروت إلى القتل بدم بارد عند أبواب المساجد؛ ممّا اضطر الحكومات الغربية إلى حماية بيوت العبادة التي يفترض أن تكون آمنة ومطمئنة، ونال العرب والمسلمون من تلك السمعة السيئة ما نالوا، وممّا كان وقودًا لليمين المتطرّف في الغرب ليمارس هو الآخر سياساته العنصرية والمناهضة للوجود العربي والإسلامي على حد سواء في تلك البلاد.
** لقد كان النزوح في الماضي طواعية، إمّا خوفًا وفزعًا من الأنظمة التي رفعت شعارات قومية وثورية، وفرضها بالقوة، أو سعيًا منهم لبلوغ الحلم الموعود، وخصوصًا من حيث القدرة على ممارسة حرية الكلمة الموءودة في بلادهم الأصلية.
** لكن النزوح العربي الأخير للبلاد الغربية كان جبريًّا وقسريًّا، فعشرات الألوف غادرت بلادها المنكوبة كما هو الشأن في الواقع السوري، والمؤلم والواقع بين سندان نظام بشار الأسد -الديكتاتوري والدموي- ومطرقة التيارات التي تلبس مُسوح الإسلام -ظلمًا وافتراءً- حيث تلوي عنق النصوص الدينية، وتسخّرها لتحقيق مآربها الدموية الهدّامة، وهي مسكونة بهاجس القضاء على كل وجود حضاري وفكري، وتحويله إلى دمار لا تسلم منه النفوس والمعابد والمخطوطات والآثار، وممارسة أقصى ما في النفس البشرية من نزعات الحقد والضغينة ضد مَن يخالفهم الرأي من إخوتهم في الدين والعقيدة، إن صحت دعواهم، وأمانيهم الباطلة بأنهم مسلمون، وقوام أيدلوجيتهم -كما يزعمون- هو نشر عقيدة التوحيد الخالص، وما أبعدهم عن ذلك كله! وما أقبح فعالهم من إراقة لدماء الأبرياء، وجزٍّ للرؤوس، وهتكٍ للأعراض!
هذا النزوح الجماعي والقسري لمواطني البلد العربي السوري لا يمكن مقارنته بأي نزوح آخر، كما ذكرت بعض وسائل الإعلام، إلاّ بما حدث في الحرب العالمية الثانية على يد النازيين ومشايعيهم، وما حدث بعد الحرب في عام 1948م من نزوح للشعب الفلسطيني على أيدي عصابات الإرغون Irgun، والهاغاناة Hagana، وشيترن Stern الإرهابية الصهيونية، وتحولت قضية الفلسطينيين من قضية عادلة إلى قضية لاجئين، والخوف أن تكون الحال نفسها مع بعض الشعوب العربية الأخرى، ومؤسف جدًّا أن ترفع رايات في بعض العواصم العربية تحمل صور زعماء أوروبيين كمنقذين ومخلصين، وأن يكون الغرب هو الحلم والملاذ لهذه الشعوب المنكوبة.
* في الختام لابد من الإشارة بأن هذا العنوان مستعار من الروائي الكبير الراحل الطيب صالح، وهي الرواية التي يمزج فيها الواقع بالمتخيل، والبحث عن جذور الاختلاف والالتقاء بين رؤيتين إزاء الحياة، أمّا موضوعنا -هذا- فهو في صلب الواقع المرير.
** لقد كان النزوح في الماضي طواعية، إمّا خوفًا وفزعًا من الأنظمة التي رفعت شعارات قومية وثورية، وفرضها بالقوة، أو سعيًا منهم لبلوغ الحلم الموعود، وخصوصًا من حيث القدرة على ممارسة حرية الكلمة الموءودة في بلادهم الأصلية.
** لكن النزوح العربي الأخير للبلاد الغربية كان جبريًّا وقسريًّا، فعشرات الألوف غادرت بلادها المنكوبة كما هو الشأن في الواقع السوري، والمؤلم والواقع بين سندان نظام بشار الأسد -الديكتاتوري والدموي- ومطرقة التيارات التي تلبس مُسوح الإسلام -ظلمًا وافتراءً- حيث تلوي عنق النصوص الدينية، وتسخّرها لتحقيق مآربها الدموية الهدّامة، وهي مسكونة بهاجس القضاء على كل وجود حضاري وفكري، وتحويله إلى دمار لا تسلم منه النفوس والمعابد والمخطوطات والآثار، وممارسة أقصى ما في النفس البشرية من نزعات الحقد والضغينة ضد مَن يخالفهم الرأي من إخوتهم في الدين والعقيدة، إن صحت دعواهم، وأمانيهم الباطلة بأنهم مسلمون، وقوام أيدلوجيتهم -كما يزعمون- هو نشر عقيدة التوحيد الخالص، وما أبعدهم عن ذلك كله! وما أقبح فعالهم من إراقة لدماء الأبرياء، وجزٍّ للرؤوس، وهتكٍ للأعراض!
هذا النزوح الجماعي والقسري لمواطني البلد العربي السوري لا يمكن مقارنته بأي نزوح آخر، كما ذكرت بعض وسائل الإعلام، إلاّ بما حدث في الحرب العالمية الثانية على يد النازيين ومشايعيهم، وما حدث بعد الحرب في عام 1948م من نزوح للشعب الفلسطيني على أيدي عصابات الإرغون Irgun، والهاغاناة Hagana، وشيترن Stern الإرهابية الصهيونية، وتحولت قضية الفلسطينيين من قضية عادلة إلى قضية لاجئين، والخوف أن تكون الحال نفسها مع بعض الشعوب العربية الأخرى، ومؤسف جدًّا أن ترفع رايات في بعض العواصم العربية تحمل صور زعماء أوروبيين كمنقذين ومخلصين، وأن يكون الغرب هو الحلم والملاذ لهذه الشعوب المنكوبة.
* في الختام لابد من الإشارة بأن هذا العنوان مستعار من الروائي الكبير الراحل الطيب صالح، وهي الرواية التي يمزج فيها الواقع بالمتخيل، والبحث عن جذور الاختلاف والالتقاء بين رؤيتين إزاء الحياة، أمّا موضوعنا -هذا- فهو في صلب الواقع المرير.
نقلا عن صحيفة المدينة السعودية