لا أحد يدري كيف توجّهت بوصلة المواجهة مع إيران إلى لبنان، هكذا ودون مقدمات لافتة، وبعد وقت قصير من تمرير صفقة (الحريري- عون)، تحوّلت البوصلة إلى لبنان، وبدأ الحديث عن تسخين وصل حد الحديث عن حرب محتملة، لكأن الكيان الصهيوني يخوض حروبه من أجل الآخرين، وليس وفق حساباته الخاصة الدقيقة.
دعك من القول إن الصهاينة لن يشنوا حربا من أجل حسابات آخرين، أو أن حربا كهذه لن تضر الحزب كثيرا، بوجود حاضنته الشعبية، ودولة كبيرة بوسعها أن تجبر ما يُكسر من قوته التسليحية، أو ما سيحصل عليه رغم إجرامه في سوريا، أو أن إشعال حرب أهلية في لبنان سيضر بالسنّة أكثر من غيرهم في ظل ميزان القوى الراهن.. لندع ذلك كله، ولنتأمل الجانب الأهم في القضية، في ظل جوهرها المتمثل في المواجهة مع إيران.
هل يمكن القول إن لبنان هو العنوان الأهم للمواجهة، أم أن هناك عناوين أكثر أهمية منه، ومن أراد أن يواجه الجنون الإيراني، فعليه أن يتوجه إليها دون تجاهل لبنان بطبيعة الحال؟
المؤكد أن العنوان الأهم للمواجهة مع إيران هي سوريا، ومن أراد أن يضرب الجنون الإيراني، ويدفع خامنئي نحو «الرشد»، فعليه أن يثبت له أن مغامرته في سوريا كانت عبثية، وأن عليه تبعا لذلك أن يأتي إلى كلمة سواء في كل المنطقة، ولن يتم ذلك عبر تفاهمات مع روسيا لا تحل المعضلة، بل عبر تقديم دعم نوعي لما تبقى من قوى الثورة، لا سيما تلك التي لا يتهمها الغرب بالإرهاب، وهذه لا زالت موجودة، ويمكن دعمها، لكن ذلك لا يمكن أن ينجح أيضا دون تفاهمات مع تركيا. أما استعداء الأخيرة، فلن يؤدي إلى تحقيق المطلوب، ولا شك أن تركيا معنية بكسر المشروع الإيراني في سوريا، حتى لو التقت معها جزئيا في ملف الأكراد.
الملف الثاني الذي يبدو بالغ الأهمية، هو الملف اليمني، وهنا بدا واضحا أن إيران قد نجحت في جعله محطة استنزاف ، وهي أصلا ليست معنية بدماء الشعب اليمني، وبكاؤها على الضحايا محض نفاق.
لا بد من تفكير جديد في اليمن. تفكير مناطه أن اليمن لن يحكمه طرف واحد، وأن التعاون مع «الإصلاح» لتحقيق الحسم لا يعني أنه سيكون الحاكم، ولا يعني شطب الآخرين، ولكنه يعني تحقيق التوازن في المشهد السياسي بعيدا عن تغوّل طرف على آخر، وإذا كان بالإمكان تحقيق ذلك عبر الحوار فذلك جيد، مع أنه مستبعد قبل تغيير ميزان القوى على الأرض.
يبقى الملف العراقي. وهنا يمكن القول إن ما جرى من لقاءات عربية مع العبادي والصدر يمكن أن يشكل مدخلا لتشكيل رأي عام ينبذ الهيمنة الإيرانية، وهذا ليس سهلا بكل تأكيد، لأن «الحشد» هو أداة إيران، تماما كحزب الله في لبنان، لكن استمرار المحاولات مهم، مع بث قناعة (هي حقيقية) بأن البلد لن يستقر من دون تفاهمات مقنعة تمنح العرب السنّة وضعا مناسبا في الدولة.
أما الأهم من ذلك كله في استراتيجية المواجهة مع إيران، فيتمثل في حرمانها من شعار المقاومة والممانعة، وثوب القضية الفلسطينية، أما فعل العكس تماما، فهو الكارثة بعينها؛ على المواجهة مع العدوان الصهيوني ومع الجنون الإيراني في آن. وتفاصيل هذه القصة باتت معروفة للجميع.
الصراع في المنطقة دموي وعبثي في آن، ويستنزف شعوب المنطقة ولا يفيد غير الأعداء، والحديث عن المواجهة مع إيران ليس لإلغائها، بل لدفعها نحو ترك الأوهام والمجيء إلى كلمة سواء تحقق مصالح الجميع.