كانت جولة سريعة في أروقة الإبداع والإرادة البشرية، ومع ذلك أحسسنا بأننا نمسك آلاف السنين بين أيدينا.
في اللوفر أبوظبي ترى إنسان كل العصور يتجول معك، يطرق حديداً، وينقش حطباً، ويمزج ألواناً، ويحفر أحجاراً، فيبدع، بيده، وبفكره، وما كان الذي وصلنا إليه اليوم ليتحقق لولا إبداعات الذين تناوبوا على صنع الحضارة عبر الأزمان، وإذا نظرت إلى هاتف حديث في يدك، وإلى تواصل مع كل العالم خلال لحظات، وإلى قطار دون سائق، وسيارة أو طيارة تأتمر بما تمليه عليها، لابد أن تعود إلى الذين انطلقوا من العدم، من اللاشيء، فأبدعوا، وأنتجوا ما يسر لهم حياتهم ووسع مداركهم، ونحن نتمتع بمشاهدتها، ونقدر ما بين أيدينا.
ليس مطلوباً من الزائرين أن يكونوا من متذوقي الفنون والتحف والآثار، ولا أن يكونوا متخصصين في التاريخ أو مطلعين على حضارات العالم، تلك التي سادت ثم بادت، وتلك التي غطت نور الشمس ذات يوم ثم عادت لتنكمش في حدودها الأصلية، فالمتاحف وجدت للذين ليسوا على دراية كبيرة بالتاريخ وعلم الحضارات وتدرج البشرية في محاولة التكيف بمحيطها، حيث تنعكس حياة كل مجتمع وظروفه على إبداعاته، من صانع الرمح لمواجهة الوحوش، إلى صاحب الفسيفساء والزخارف في بلاد أمنت على نفسها، فابن الصحراء أبدع فناً، وابن الجبل كذلك، حتى ظهرت المدينة وارتقت بالإبداع.
اللوفر أبوظبي تحفة فنية تضاف إلى العمارة الإنسانية، حقيقة لا يقدرها إلا من وقف تحت القبة الواصلة بين البر والبحر في تناغم يتردد صداه تحتها، وفي حضنها، حضن تلك القبة، ترجمة لحكمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، عندما فكر بأن تكون أبوظبي أول محطة خارج فرنسا لأعظم متحف، ولن أستطيع أن أقول لكم كلاماً أجمل من كلام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حين قال «إن متحف اللوفر أبوظبي هو ثمرة رؤية حكيمة وثاقبة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، نهلها من حكمة ورؤية والده المغفور له الشيخ زايد».
ولن أجد خاتمة أروع من كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، التي ختم بها كلمة افتتاح اللوفر أبوظبي «شكراً أخي محمد بن زايد، مشروعك يمثل جزءاً من إرث زايد الذي تحمله في قلبك، إرث زايد في حب الإنسانية وخلق التقارب والتواصل بين البشر والحضارات».