في مايو (أيار) الماضي قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان «نعرف أننا هدف رئيس للنظام الإيراني. الوصول إلى قبلة المسلمين هدف رئيس للنظام الإيراني. لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لكي تكون المعركة لديهم في إيران وليس في السعودية». لم تكن هذه رسالة إلى الرأي العام أو المشاهدين أو المستمعين؛ كانت رسالة واضحة ومباشرة وصريحة وتحذيراً شديد اللهجة للنظام الإيراني، وللمجتمع الدولي أيضاً، مفادها إذا واصلت طهران مشروعها التخريبي في المنطقة فإن المواجهة معهم قادمة وستنقل لساحتهم هم وميليشياتهم. وعندما أطلقت إيران، عبر وكيلها في اليمن الحوثي، صاروخاً استهدف العاصمة السعودية، فإنها كانت اللحظة الفارقة لإعلان الاستراتيجية السعودية الجديدة ضد إيران التي لم تبدأ مع إطلاق الصاروخ الباليستي الإيراني السبت الماضي، وإنما بدأ التحضير لها قبل ذلك بفترة طويلة، وتحديداً منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في بلاده في يناير (كانون الثاني) 2015، وهنا من المهم الإشارة إلى أن السياسة الخارجية السعودية لا تزال تنطلق من ذات ثوابتها التي قامت عليها، لكن ما تغير هو الأدوات التي تستخدمها، وفرضتها ظروف المرحلة التي لم يعد يمكن معها الاكتفاء بردة فعل دبلوماسية وانتظار تصدي المجتمع الدولي لممارسات إيران العدوانية، وإنما اقتضت المرحلة إنشاء استراتيجية تحاصر التمدد الإيراني الذي بلغ حداً لم يعرفه منذ قيام الثورة الخمينية عام 1979. يمكن القول إننا أمام إعادة تموضع للسياسة الخارجية السعودية لمواجهة المشروع الإيراني في المنطقة معتمدة على استراتيجية جديدة كلياً، فعندما تستهدف إيران مدناً سعودية وتطلق الصواريخ عليها، لا أحد يتوقع من المملكة البقاء على مقاعد المتفرجين، وعجباً لمن يرون في سياسة مواجهة إيران تصعيداً، أفينتظرون أن تعتدي إيران على أراضيها ثم يتوقعون منها غض النظر؟!
السعودية تقود مشروعاً عربياً إقليمياً لمواجهة المشروع الإيراني باعتباره الخطر الأكبر الذي يحيط بالمنطقة، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أسس لهذا المشروع من خلال استراتيجية تكميش إيران؛ لذلك عندما يقول إن إطلاق الصاروخ الباليستي على الرياض هو عدوان عسكري، فهو يسمي الأسماء بأسمائها دون مواربة أو استخدام دبلوماسية انتهت صلاحيتها ولا يمكن التعاطي عن طريقها مع جار ليس فقط يجاهر بعدائه، وإنما يمارس ذلك على الأرض فعلياً سواء من خلال وكيله الحوثي في اليمن أو «حزب الله» في لبنان، الذي عليه أن يراقب موقع قدميه جيداً خلال الفترة المقبلة، فعواقب اعتداءاته على السعودية لن تمر مرور الكرام.
في يناير الماضي قال ولي العهد السعودي إن إيران تمثل العلل الرئيسية الثلاث في المنطقة، والمتمثلة في «الآيديولوجيات العابرة للحدود» و«حالة عدم الاستقرار» و«الإرهاب»، ويوماً تلو الآخر يتأكد للعالم إصرارها على تصدير آيديولوجيتها الإقصائية، والانخراط في الإرهاب، وانتهاك سيادة الدول الأخرى، ومع وصول المواجهة إلى مرحلة غير مسبوقة، فإن النظام الإيراني وضع نفسه في مرمى تحالف سعودي أميركي سيحاسبه على سلوكياته العدوانية، عسكرياً وليس سياسياً فحسب، حيث تدعم الإدارة الأميركية الاستراتيجية السعودية الجديدة ضد إيران، وينتظر أن يمنح البيت الأبيض القادة الأميركيين سلطة أكبر للرد على الاستفزازات الجوية والبحرية الإيرانية في الخليج العربي ومضيق هرمز، وأول من أمس قالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، تعليقاً على إطلاق الصاروخ الباليستي على الرياض، إن بلادها «لن تغض الطرف عن هذه الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي من قبل النظام الإيراني»، كل هذا يجعل إيران أمام مواجهة كل الاحتمالات فيها متاحة، وهو وضع لم تقابله إيران مطلقاً؛ لذلك من المرجح أن تتراجع، مجبرة وليس باختيارها، إذا ما رأت مواجهة فعلية تحاصرها وتكتفها، بل وتهددها.
في كتابه «النظام العالمي الجديد» يقول هنري كيسنجر «إن التاريخ يعاقب العبث الاستراتيجي عاجلاً أم آجلاً»، وإيران عبثت بالمنطقة في العقود الثلاثة الأخيرة، وآن الأوان أن تعاقب على سلوكياتها العدوانية التي أصبح مستحيلاً الصبر عليها مجدداً.
46 2 دقائق